غدا يذهب المصريون الى لجان الانتخابات لاختيار رئيس، ضمن استحقاق دستورى، انتهى تصويت المصريين فى الخارج، بكثافة أكبر من مرات سابقة، وغدا يصوّت ملايين المصريين، ضمن تجربة تضاف إلى تجاربهم على مدار سنوات، حيث ينتصر الوعى باتجاه بناء تجربة سياسية واضحة، يخوضها المصريون تجاه المستقبل، لصناعة تجربتهم السياسية، والتى تأتى فى ظل أحداث العدوان على غزة، والذى كشف عن حجم وشكل تحديات ضخمة عبرتها مصر على مدار أكثر من عقد، ولا تزال قائمة، وأن عبور هذه المرحلة الانتقالية - بتحدياتها - كشف لكثير من المصريين أن التجارب تتم بالتراكم والمناقشة.
وعلى مدار أكثر من عام أنتج الحوار الوطنى حالة من الحيوية، وفتح شهية كثيرين للحديث وطرح الأفكار، وتم التعامل مع بعض المطالب مباشرة، باعتبار أن السياسة عملية مستمرة، لبناء الثقة بين كل الأطياف، وخلق جسور للحوار يمكن من خلالها للأطراف المختلفة أن تطرح وجهة نظرها، انطلاقا من تجربة 11 عاما كانت هى الأصعب فى تاريخ مصر.
الحضور الكثيف للمصريين يسهم فى بناء نسخة محلية من التعامل فى الممارسة السياسية، بعيدا عن القوالب الجاهزة التى تبقى فى سياق الطرح النظرى من دون مراعاة لخصوصيات كل مجتمع وظروفه الاقتصادية والاجتماعية والسكانية.
وقد برزت الهيئة الوطنية للانتخابات كبطل فى الواجهة، منذ أعلنت عن الجداول الزمنية للانتخابات الرئاسية، وتنفيذها بدقة، وفرض قواعد عامة تحكم الجميع وتُسهل على المرشحين والناخبين خوض الانتخابات بسهولة، الهيئة الوطنية للانتخابات كانت بناء على مطلب دستورى لتحديث هيئة تشرف باستقلالية على الانتخابات، وبالرغم من انتهاء الإشراف القضائى فقد طالب الحوار الوطنى باستمراره، لفترة، وهو ما ضاعف من حجم الثقة، وكانت الهيئة على مستوى واحد ومسافة واحدة تجاه كل المرشحين.
الهيئة الوطنية للانتخابات أعلنت مواقيت الانتخابات الرئاسية بدقة ووضعت ضمانات تتيح الفرصة للمنظمات المدنية والصحفية والإعلامية بالداخل والخارج متابعة الانتخابات بعد التسجيل فى موقع الهيئة، والحصول على التصاريح المتعلقة بذلك، كما هو متبع فى مثل هذه الفعاليات، وكفلت فرصا متساوية لجميع المرشحين لطرح برامجهم، مع الالتزام بقواعد تمويل الحملات وإدارتها.
الانتخابات الرئاسية فرصة لتأكيد دور مهم لهيئة مستقلة تشرف على كل الانتخابات القادمة، ولها صلاحيات كاملة، ونحن نقترب من انتخابات محلية ثم برلمانية خلال شهور، وبالتالى فإن الانتخابات تمهد لمرحلة أكثر اتساعا وتنوعا فى السياسة والعمل العام الأهلى، والانتخابات، وسيلة لاختيار ممثلين يمكنهم التعبير عن مصالح الأفراد والجماعات والفئات المختلفة، خاصة أن الحوار الوطنى كشف عن وجود رغبة لدى قطاعات كثيرة للانخراط فى العمل العام، كلٌ بطريقته، وطرح آرائهم فى القضايا المختلفة، فى السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية، وهو ضرورة إدارة التنوع تدعم وتقوى السياقات العامة وتبنى جسور الثقة.
الانتخابات الرئاسية تأتى بعد هزيمة الإرهاب، وتعطى فرصة لتوسيع المشاركة ومنح المواطنين الحق فى طرح آرائهم وسط مجال عام موسع لا يقتصر فقط على منصات تواصل تصنع تشويشا أكثر مما تفيد فى نقاش أو وعى، والتعامل مع الأرقام والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، بناء على دراسة، وليس فقط من خلال بوستات وتويتات، وإذا كان الحوار الوطنى أتاح فرصة النقاش حول المستقبل وتوسيع المجال العام، فإن هذا يفتح آفاق التفاهم، ويرتب مسؤولية على أطراف الحوار، يدفعها للاستعداد بشكل يجعلها قادرة على الإقناع، وليس فقط طرح هذه القضايا، وأن يكون الحوار الوطنى بداية وليس نهاية، بعد أن كان دائما فرصة للجادين من كل الأطراف.
ونظن أن الانتخابات الرئاسية، مقدمة لمرحلة من التنوع، وتوسيع المجالات، والبناء على ما تحقق، والاستفادة من الأرضية التعددية التى أنتجها الحوار الوطني، وتنوع الآراء، بشكل يجعل هناك أهمية للتعامل مع الانتخابات الرئاسية، باعتبارها نقلة جديدة فى توسيع المجال العام، وبناء تجربة تناسب مرحلة جديدة من العمل السياسى، تستوعب التحولات التى شهدها العالم على مدار عقود، وقد نجحت الهيئة الوطنية للانتخابات فى تنظيم انتخابات الرئاسة، بشكل يبشر بضمانات تجاه كل الانتخابات القادمة، ما يجعلها تعبيرا عن تجربة سياسية متنوعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة