يقف البعض أمام ظاهرة الطوابير فى معرض القاهرة للكتاب، بينما الواقع أن جمهور المعرض متنوع مثلما التنوع فى المجتمع المصرى والعربى، وهذا التنوع تلقائى يصعب التحكم فيه أو حصره فى منطقة واحدة.
معرض الكتاب يضم آلاف العناوين والكتب من كل التخصصات والأنواع سواء الجادة أو المسلية، المعتدلة والعميقة أو السطحية، وهو نفس ما تطرحه المطابع على مر العصور، وهناك من يذهب طلبا لكتاب معين، أو فكرة، أو استكمالا لمجموعة، وهناك من يريد تسلية، وهناك مقولة أن الكتاب «يبان» من عنوانه، ليست صحيحة على إطلاقها، فهناك العنوان والمضمون واسم المؤلف، وبعض العناوين لا علاقة لها بالمضمون، ومجرد خداع، وليس شرطا أن يكون الكتاب الأفضل، هو الأكثر شهرة، حيث يشتهر بعض من يستطيعون الدعاية وتتحول ندواتهم إلى زحام للفرجة، أكثر من كتاب كبار بالتأثير.
مع الأخذ فى الاعتبار أن التسويق الجيد للمنتج الثقافى، هو أمر مطلوب، خاصة أن صناعة الكتب شهدت تطورات مهمة فى الشكل وتلجأ بعض الدور إلى وسائل التواصل للإعلان عن منتجاتها، لكن تبقى ظاهرة الطوابير للمصريين بأعمارهم المختلفة، والعرب والأفارقة والأجانب، تعبيرا عن موسم ثقافى مهم، وتعبيرا عن تنوع واسع لا يمكن حصره فى قطاع أو نوع أو عمر.
وهناك ظاهرة طرأت من سنوات، أن بعض نجوم السوشيال ميديا يعقدون حفلات توقيع تتفوق على غيرها، وتظهر طوابير طويلة لطالبى التوقيع، الذين يتزاحمون للفرجة على المؤلف، بصرف النظر عن مضمون ما يقدمه، وسبق وأن تكرر الأمر فى الدورات السابقة من المعرض، لمطرب ومؤلف كان حفل توقيعه بالآلاف، هو نفسه اختفى ولحق بزملائه، وهذه الظواهر عادية وموجودة فى كل عصر لكنها ظهرت أكثر مع مواقع التواصل، والقدرة على تسويق المحترفين أكثر من غيرهم، وهى ظاهرة لا يفترض أن تثير القلق، لكنها تلفت النظر إلى أهمية التسويق للأفكار، وهذا هو دور المؤسسات الجادة، وهى كثيرة.
والدليل أن كتب طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ونجم والأبنودى وغيرهم ما زالت تمثل عناصر جذب للقراء العموم الذين يبحثون عن المعرفة، أو التوصل إلى حوارات جادة فى السياسة أو الفن أو الأفكار، لأن الظواهر المؤقتة تختفى وتحل مكانها ظواهر أخرى، وطبيعى فى ظل هذا الزحام أن تظهر كتب تافهة أو سطحية، وهى ظاهرة قائمة من سنوات، والقارئ هو الذى يحسم الأمر يشترى أو لا.
ومثل كل نتاج السوشيال ميديا هناك ظاهرة لأنواع من الكتابات تحمل اسم أدب أو شعر، تخلو من المعنى، مجرد كلمات وجمل مرصوصة، يتم ترويجها من خلال حملات دعائية سوشيالية، وسبق أن حصل شاعر أو مطرب على شهرة، انتهت ونسيه الناس وهو مصير «البلالين»، وحيث يمكن لمواقع التواصل أن تصنع نجما من فراغ، وهو ما نراه خلال السنوات الماضية فى السياسة والغناء والفن، لدرجة أن هناك شخصيات مشهورة لا يمكن معرفة ماذا تفعل وما هو دورها.
ووسط ظاهرة النفخ الافتراضى، هناك آلاف العناوين فى معرض الكتاب، قد يبدو الاهتمام بما هو مختلف وغريب، كان بعدد من الكتب لا أحد يعرف إن كانت روايات أم قصصا أم شعرا أم مقالات، وهى بالفعل كتابات تائهة وسطحية، لكنها ليست العناوين الأساسية، ولطبيعة مواقع التواصل، يترك المعلقون كل العناوين المهمة ويركزون على الكتابات الافتراضية التى تحمل نوعا من الكوميديا، وتبدو مجرد «خربشات على صفحات».
مع الأخذ فى الاعتبار أن نسبة لا بأس بها من طرح المطابع سنويا يكون دون المستوى، مع اتساع حالة النشر، من بعض دور النشر، تمارس عملا تجاريا وتنشر لمن يدفع، بصرف النظر عن مستوى الكتابة أو نوعها.. على طريقة «الفوتوسيشن» واللقطة، لكن وجود جروبات تجارية تروج « لأى كلام» هناك جروبات جادة للقراءة تقوم بأدوار مهمة فى نشر الثقافة، وتوجيه القراء الجدد.
الشاهد فى كل هذا أن معرض الكتاب ظاهرة تعكس التنوع، ودور المؤسسات أو الجادين هو التسويق لما ينفع، أو يفيد، من دون فرض وصاية على القارئ، وتبقى الطوابير ظاهرة تستحق الاحترام والتأمل.
p