حالة من الزخم الدولي، باتت تحظى بها الدبلوماسية المصرية في المرحلة الراهنة، مع تفاقم الأزمات، وهو ما يبدو في تحولها إلى محطة مهمة، يتوقف عندها زعماء العالم وكبار المسؤولين في الآونة الأخيرة، بينما يحملون طموحات وآمال، تتراوح بين الشراكة الهادفة إلى تحقيق المصالح المشتركة، من جانب، والقيام بدور من شأنه احتواء الأزمات الراهنة، والتي باتت تتجاوز منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية، والتي تحمل تداعيات كبيرة، على كافة مناطق العالم بعدما ضربت قطاعات حيوية تمس حياة الشعوب، على غرار الغذاء والطاقة، ناهيك عن تزامنها مع أزمتي الوباء والتغير المناخي، وتأثيراتهما غير محدودة النطاق، والتي قد تأكل الأخضر واليابس حال الفشل في اتخاذ إجراءات دولية جماعية جادة لاحتوائها.
ولعل الحديث عن التحول الكبير في الدور المصري، من مجرد قيادة منطقتها الجغرافية المحدودة إلى نقطة استقطاب دولي، يتجلى بوضوح، في العديد من المشاهد الأخيرة، منها جولة الرئيس عبد الفتاح السيسي الآسيوية، والتي شملت الهند وأرمينيا وآذربيجان، والتي تعكس تجاوز النطاق الاقليمي، نحو أفاق دولية أوسع، في ضوء ما حظت به من حفاوة كبيرة سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي، بينما استقبلت "أرض الكنانة" وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ليتبعها مباشرة زيارة الوزير سامح شكري إلى موسكو، في مؤشر صريح للدور الذي باتت تلعبه الدولة المصرية في الآونة الأخيرة باعتبارها "نقطة اتصال" بين أقاليم العالم، وهو ما يمنحها مساحة أكبر من المناورة، تضفي عليها مزيدا من القدرة على الدفاع، ليس فقط عن حقوقها، وإنما حقوق أقاليمها المتشعبة، وشعوب دولهم، الذين باتوا يدفعون ثمن طموحات وأطماع القوى الكبرى، والتي تدفع العالم نحو "حافة الهاوية".
فلو نظرنا إلى التحركات الدبلوماسية المصرية الأخيرة، نجد أن ثمة اقتحاما مصريا لمناطق الأزمات الدولية الساخنة، خارج نطاق الشرق الأوسط، بعد عقود من الانكفاء على صراعات المنطقة، وهو ما يرجع في جزء منه لكونها ساحة الصراعات الدولية من جانب، ناهيك عن حالة الهيمنة الأحادية المطلقة، التي حرمت مصر من الامتداد نحو نطاق أوسع على المستوى الدولي، وهو ما يعكس قدرات كبيرة على القيام بدور أكبر، ينطلق من مواقفها الحيادية، تجاه مختلف الأزمات الراهنة، يؤهلها للقيام بدور الوسيط بين مختلف أطراف النزاعات القائمة، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية.
الدور المصري المرتبط بالأزمات الراهنة، يبدو مختلفا عن الماضي، ليس فقط فيما يتعلق بامتداده الجغرافي كما أسلفت، وإنما يمتد إلى طبيعته، فهو ليس مقتصرا على البحث عن دور فردي لتوسيع دوائر التأثير المصرية، وإنما يحمل كذلك عملا جماعيا مع الشركاء في مناطقها الجغرافية، بحثا عن دور أكبر لأقاليمها، التي عانت قدرا كبيرا من التهميش خلال العقود الماضية، إلى الحد الذي تحول بعضها ساحة للصراع، على غرار الشرق الأوسط، بينما تحول البعض الأخر لمناطق تعاني من أزمات اقتصادية وإنسانية طاحنة، على غرار بعض دول إفريقيا.
العمل الجماعي بين مصر وشركائها الإقليميين، ساهم إلى حد كبير في زيادة الزخم الذي تحظى به عدة دول في المنطقة، وهو ما يبدو في حالة الاستقطاب الدولي الذي باتت تحظى به المنطقة، وهو ما يبدو في الصراع بين القوى الدولية الكبرى لحشد الدول العربية والافريقية وراءها، خلال الأشهر الماضية، عبر قمتين أحدهما أمريكية وأخرى صينية مع الدول العربية، عقدتا في المملكة العربية السعودية، وقمة أمريكية إفريقية في واشنطن، في انعكاس صريح لاتساع أهمية تلك الأقاليم على المستوى الدولي.
وهنا تبدو الرؤية المصرية قائمة على منطلق جماعي إقليمي، بعيدا عن منهج الاستئثار بالقيادة الفردية، عبر استحداث أدوار جديدة، يمكن من خلالها تحقيق حالة من التعددية في القيادة الإقليمية، ناهيك عن توسيع دور أقاليمها على المستوى الدولي، مما يفتح الباب أمام تنمية قدرة الدول على مجابهة الأزمات وتداعياتها من خلال المشاركة في حلها، مع إضفاء مساحة من المناورة السياسية يمكن من خلالها تحقيق المزيد من الزخم فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية العالقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بالاضافة إلى استثمار اللحظة الراهنة لتخفيف حالة المنافسة الاقليمية نحو مزيد من التكامل في الأدوار