أعلنت مؤسسة محمود درويش، مساء أمس، فوز كل من الشاعرة والمترجمة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي، والموسيقار والفنان اللبناني مارسيل خليفة، والمترجمة والأكاديمية الإيطالية إيزابيلا كاميرا دي أفليتو، بجائزة محمود درويش للإبداع في دورة العام 2023 عن فئاتها الثلاث: المبدع الفلسطيني، والمبدع العربي، والمبدع العالمي.
وتحدث الدكتور موسى خوري، عضو لجنة التحكيم من قاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء أمس، عن مسوغات اختيار الفائزين، متحدثاً عن دور سلمى الخضراء الجيوسي المولودة في مدينة صفد العام 1924 بقيادة مشروع للترجمة عن العربية قدمت من خلاله مجموعة لافتة من الأعمال إلى قراء الإنكليزية، وقيامها كذلك بترجمة مجموعة من الأعمال الأدبية الفلسطينية والعربية موزعة بين شعر ونثر، علاوة على مساهمتها في حركة التجديد الشعري.
وتمحورت مسوغات فوز مارسيل خليفة، الذي أعلن تبرعه بالمبلغ النقدي للجائزة لمؤسسة محمود درويش، وتحديداً لجهة تطوير نشاطاتها، حول إنجازاته الموسيقية الكثيرة والمتنوعة، فالموسيقار اللبناني المولود في العام 1950 أغنى التراث الموسيقي والغنائي العربي بإضافات لافتة، وأنتج ألبومات يصل عددها إلى نصف عدد سنوات عمره، كما صدحت موسيقاه وصوته في كل الحواضر العربية والعالمية المتاحة، وحفر عميقاً في ذاكرة الجماهير العربية، وأثر على وعيها، وأسهم في تثوير ضمائرها وتشكيلها، علاوة على كون خليفة خص الشعر الفلسطيني بإبداعه، فمحطات مساره الموسيقي مؤثثة بنصوص من هذا الشعر عموماً، وبشعر محمود درويش على وجه التعيين، ولدقة اختياره للكلمة، ولمساهمته في التطوير الموسيقي، ولالتزامه الوطني واختياراته الواعية للشعر الإنساني، ولارتباط تراثه بالقضية الفلسطينية، وللثنائية الفريدة التي تحققت بينه وبين درويش.
أما منح إيزابيلا كاميرا دي أفليتو الجائزة فكان لعملها الأكاديمي في حقل الأدب العربي الحديث، مع تركيز لافت على دراسة الأدب الفلسطيني وترجمته، هي الأستاذة في جامعة سابينزا بروما، حيث نقلت إلى الإيطالية مجموعة من الأعمال الأدبية الفلسطينية المكرسة لغسان كنفاني، وإميل حبيبي، وتوفيق فياض، كما ألّفت وقدّمت وحرّرت مجموعة كبير من الكتب والموسوعات المتخصصة في الأدب الفلسطيني والأدب العربي الحديث، كما نظمت العديد من ورشات العمل والمؤتمرات في إطار اهتمامها بالأدب العربي عموماً، والأدب الفلسطيني خاصة.
وعبّرت دي أفليتو، التي قدمت من إيطاليا خصيصاً للمشاركة في حفل توزيع الجوائز، في كلمتها، عن تأثرها العميق لكونها في فلسطين، وتحديداً في مدينة رام الله، ولكونها تحصلت على جائزة مرموقة تحمل اسم شاعر كبير مثل محمود درويش، مشيرة إلى أنها لم تكن تتوقع فوزها بالجائزة التي سمعت عنها الكثير ذات يوم، وإلى أنها كانت مخطئة باعتقادها أن لا أحد في فلسطين، وربما على المستوى العربي، يعرف ما قدمت وتقدم، مشددة على دور الترجمة لمد جسور السلام ما بين الشعوب، وعلى أهمية الأدب في تعزيز هوية أي شعب، والتعبير عن تطلعاته وهمومه، وبأنه يكتسب أهمية خاصة في الحالة الفلسطينية.
من جانبه استذكر الفنان مارسيل خليفة العديد من الحكايات مع درويش، مقدماً عبر فيديو مسجّل مقطوعة أدبية، عبّر فيها عن حالة الفقدان التي يعيشها منذ رحيل صديقه الشاعر الفلسطيني الكوني، وخاصة في الثالث عشر من آذار كل عام.. قبل أن يتحدث بعفوية مخاطباً روح الشاعر المسجّى على بعد أمتار قائلاً: محمود.. حبيبي.. أتذكر خريف العمر، وصخب الطبيعة والشجر في التشرينين، قلت لي يومها تعال نواجهه بالشعر والموسيقى.. شكراً لك على كل شيء، وشكراً للأصدقاء على منحي جائزة توأم روحي محمود درويش.
وشددت سلمى الخضراء الجيوسي، في الكلمة التي قرأتها بالنيابة عنها د. عادلة العايدي هنية، المدير العام للمتحف الفلسطيني، على أهمية درويش كشاعر وطني وعالمي، وعلى أهمية الأدب، والترجمة، بحيث قالت فيما بعد قصيدة "كم خسرت": كم يسعدني استلام جائزة محمود درويش للإبداع، الجائزة التي تمنح بالوطن باسم شاعرنا الذي تكلم باسم فلسطين، وأطلق صوتاً شعرياً فذاً ونادراً ومُجدداً، فعندما يتبدد الدفق الغنائي عند الشعراء وتتعثر الإيقاعات التي تحافظ على استمرارية الخلق الشعري وعلى توقّد الخيال المُبدع يظل درويش أبداً قادراً على التعبير عن شعرية متوهجة لا تعرف الفتور، وتظل تلك الإيقاعات ملكه وثورته السابغة، متحفظة بالحافز الشعري، رغم عدوان الحياة حول الشاعر، وقسوتها التي لا تكلّ، فعبقرية درويش الشعرية تبدو لنا كأنها نبع يصب في بحر لا ينتهي، كما أن اللحظة الدرويشية لا تموت أبداً.
من الجدير بالذكر أن لجنة التحكيم لجائزة محمود درويش للإبداع عن دورة العام 2023، تشكلت من: د. إبراهيم السعافين من الأردن رئيساً، والشاعر طاهر رياض من الأردن، ود. موسى خوري من فلسطين، ود. هيثم الحاج علي من مصر، ود. يمنى العيد من لبنان، والشاعر والإعلامي عبده وازن من لبنان، ود. علي جعفر العلاق من العراق.
جائزة محمود درويش يتم منحها سنوياً لكل مبدع فلسطيني أو عربي أو عالمي، تتوافر فى نتاجه قيم الإبداع الثقافي الفنية والوطنية والإنسانية، إضافة إلى تكريس قيم العقلانية، والديمقراطية، والحرية والتنوير، التي تميز بها إبداع محمود درويش الشعري والنثري، ويمكن منحها للمؤسسات والهيئات الثقافية الجديرة بذلك، كما تُمنح الجائزة لمبدع أو أكثر فى حالات خاصة تقترحها اللجنة، ويحصل الفائز على جائزة محمود درويش على شعار الجائزة، براءة الجائزة موقعة من رئيس دولة فلسطين، مكافأة نقدية قيمتها 25 ألف دولار لكل فائز.