حكايات من الواحات.. درب أبو بلاص أقدم طريق فى الصحراء الغربية بطول 400 كيلو.. سلكه إنسان ما قبل التاريخ والفراعنة.. يصل إلى هضبة الجلف الكبير.. ويضم 30 محطة انتظار أهمها أم العلامات وصخرة ميرى ومحطة خوفو ويعقوب

الجمعة، 14 أبريل 2023 05:00 ص
حكايات من الواحات.. درب أبو بلاص أقدم طريق فى الصحراء الغربية بطول 400 كيلو.. سلكه إنسان ما قبل التاريخ والفراعنة.. يصل إلى هضبة الجلف الكبير.. ويضم 30 محطة انتظار أهمها أم العلامات وصخرة ميرى ومحطة خوفو ويعقوب درب أبو بلاص
الوادي الجديد - ماهر البهنساوي

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تزخر منطقة الصحراء الغربية بمحافظة الوادى الجديد الأسرار والغرائب والتاريخ المتنوع الذى يعكس أهمية تلك المنطقة والتى كانت مركزا هاما للسفر والانتقال منذ عتيق الزمان وتضمنت عدد من الدروب الصحراوبة التى تربط بين مراكز الواحات ومنطقة عين أصيل بلاط أقصى غـرب وجنـوب غـرب الصحراء الغربیة حتى هضبة أبو بلاص ويعتبر أهم محطة على الدرب، وتقع على بعد حوالى 270 كم من عین أصیل، ومنها یتجه الدرب فى اتجاه الجنوب الغربى حتى هضبة الجلـف الكبیـر.

وتعود تسمية الدرب بهذا الاسم إلى إحـدى المحطـات الموجـودة علـى الدرب، والتى یوجد بها أكوام مـن الأوانـى الفخاریـة الكبیـرة التـى تـسمى الـبلاص، فـأطلق علـى الموقـع والـدرب كلـه اسـم أبـو بـلاص، وهـو دربَ ممتـدَ داخـل الـصح ارء الغربیـة الوعرة، ویوجد علیه عدد من المحطات أو الاستراحات، وفى عـام 1999م قـام الرحالـة الألمـانى كـارلو برجمـان الـذى سـلك هـذا الـدرب بواســطة الإبل برصــد حــوالى 30 محطــة علــى الــدرب ومواضــع تجمــع فخــار، واسـتكمل العمـل فیمـا بعـد أعـضاء مـشروع أكاسـیا، حیـث قـاموا بإدراج هذه المحطات على خریطة المسح الأثرى التـى قـاموا بإعدادها، ومـن أهـم هـذه المحطـات محطـة صـخرة مـرى، ومحطـة یعقـوب، ومحطة أبو بلاص، ومحطة خوفو، ومحطة النـاهود، وبـاقى المحطـات أغلبهـا لـم یطلـق علیهـا أیـة مـسمیات، بـل اكتفـوا بالأرقـام فقـط، وإن كـانوا قـد اسـتخدموا الأرقـام أیـضًا داخـل المحطـات ذات الأسـماء، للإشـارة إلى أكثـر مـن موضـع بالمحطـة الواحدة

 وطبقـًا للتـصنیف الأثـرى، فقـد تم العثور علـى بقایـا فخاریـة ترجـع لعـصر الدولـة القدیمـة وعـصرى الإنتقـال الأول والثـانى، والدولـة الحدیثـة، والعـصر الرومـانى، بـل والإسـلامى أیـضًا، وتظهـر أیـضًا العلامـات الحجریـة المقامـة بامتداد الـدرب، سـواءً علـى الأمـاكن المرتفعـة أو بـالأرض المنبـسطة، وعلـى مـسافات مختلفـة، كإرشـادٍ للمـسافرین عبـر هـذا الدرب، حتى لا یضلوا الطریق، وهذه العلامات إمـا عبـارة عـن كتلـة واحـدة مـن أحجـار المنطقة یتم إقامتها فـى وضـع عمـودى، أو مجموعـة مـن الأحجـار الـصغیرة توضـع فـى شـكل أكـوام.

ومن أهم محطات الدرب هى محطة خوفو ویشیر هذا الموقع إلى أن هناك بعثات أرسلت لهذه المنطقة البعیدة منذ الأسرة االربعة.

ففى العام الرابع والعشرین من حكم الملك خوفو أرسلت بعثة للواحة الداخلة بقیادة ببى لتجنید الرجال، وإحضار مسحوق، وإن كان غیر معروف تحدیدًا مكونات هذا المسحوق أو اسمه حالیًا، إلا أن ما ورد بالنصوص یشیر إلى أن هذا المسحوق كان یُنقل فى حقائب، وكان یُستخدم فى الكتابة والرسم، وتكررت هذه البعثة، مؤكدًا على أن هذا المسحوق ربما یكون المعروف بین أهل الواحات بإسم " المَغر" وهو عبارة عن مجموعة أكاسید بألوان مختلفة، یغلب علیها اللون الأحمر، وقد كان الناس فى الواحات لإحضار المسحوق ذاته بقیادة كل من إى - مرى فى العام الخامس والعشرین أو السادس والعشرین من حكم الملك خوفو، وعلـى تـل صـخرى بموقـع خ وفـو یوجـد نقـش، یـصور خرطـوش الملـك خوفـو مجـاوًار لمنظــر معبــود الــصح ارء إجــاى، ووجــود خرطــوش خوفــو ســبب تــسمیة الموقــع لهــذا السبب. وعلى التل ذاته یوجد خرطوش الملك جدف رع.

 وتنتشر بالموقع كسرات فخاریة صغیرة ترجع لنهایة الدولة القدیمة من فخار عین أصیل، كما عُثر على أماكن إقامة صغیرة، ومواضع إشعال النار، ومجموعة خرز من قشر بیض النعام، وبعض الأدوات الصوانیة، كما عثر بـالموقع علـى نمـاذج مـن طبعـات الأختـام ببـصمات مختلفـة علـى قطـع مـن الطین، والتـى یُحتمـل أنهـا كانـت توضـع علـى أوانـى الفخـار أو قِـرَب الجلـد، التـى كانـت تستخدم لتخزین الأشیاء الهامة، يحضرونها من أماكن بعیدة داخل الص احرء، ثم یخلطونه بالماء ویُستخدم فى الكتابة والرسم على جد ارن البیوت خاصةً فى مواسم الحج، وهذه التل من الحجر الرملى علیه مناظر وكتابات وعلامات متعددة، نُفذت كلها بخط زج ازجى یشیر إلى علامة الماء الهیروغلیفیة Mw، مما دفع الباحثین إلى تسمیته جبل الماء

 وتعتبر محطة الناهود آخر محطة على الدرب والأقرب للجلف الكبیر، حیث تبعد عن عین أصیل بمسافة 359 كم تقریبًا، بینما المسافة الكلیة من عین أصیل حتى هضبة الجلف الكبیر حوالى 400 كم تقریبًا، وهذه المحطة أیضًا بها موقعان تم العثور علیهما أثناء المسح الأثرى، وعثر فیهما على العدید من التجمعات الفخاریة، بدءً من الأكواب والأطباق الصغیرة، والسلطانیة العمیقة ذات المیذب، وأخیرا الجرار الكبیرة. وهذه البقایا الفخاریة ترجع لعصر الدولة القدیمة وعصرى الإنتقال الأول والثانى.

وقال الدكتور يوسف صبرى المتخصص فى الدراسات الأثرية المصرية فى تصريح خاص لـ اليوم السابع أن هـذه المحطـة عبـارة عن مساحة واسعة من الأرض المسطحة، بها ثلاثـة مواقـع، وأهـم مـا فـى هـذه المحطـة اثنـان مـن القمـم الـصخریة مـن الحجـر الرملـى، وحـول الـشمالیة منهـا عُثـر علـى عـدد كبیـر مـن الأوانـى الفخاریـة الكبیـرة المعروفـة بإسـم الـبلاص- وهـذا هـو سـبب التـسمیة- والتى عُثر علیها لأول مرة فى بدایات عام 1918م، وقـد أطلـق البـاحثون الألمـان علـى هذه القمة الصخریة اسـم تـل الفخـار ، وهـذه الأوانـى الفخاریـة الكبیـرة عثر علیها فى مكانها شمال وشرق التل، وقد كان أغلبها بحالة جیدة عندما تم الكـشف عنها بمعرفة جون بول فى مارس عام 1923 م.

 وأكد صبرى أن نتائج دراسة هذه الأوانى تبین وجود ما یزید عن مائـة آنیـة فـى هـذا المكـان، ترجـع إلى نهایة الدولة القدیمة وعصر الإنتقال الأول، وهذا یتفق تاریخیًا مع ما أثبتته الحفائر فى عین أصیل، مؤكدًا على أن هذا الـدرب مـستخدمًا منـذ عـصور سـحیقة، ونظ ًاـر لمرونـة الحجـر الرملـى بهـذه المنطقـة، فقـد اسـتفاد الإنـسان الأول مـن هـذه الظـروف لیتـرك بـصمته فـى هـذا المكـان، متمثلة فى كهف صغیر، وبعض المناظر الحیوانیة والبشریة، ويوجد على التل ذاته نقش صخرى یصور شخص یقـوم بمحاولـة صـید غـزال یطـارده مـع كلبـین، ونقـش آخـر بالغـائر مـن العـصر الفرعـونى یـصور بقـرة ترضع صغیرها.

وألمح صبرى، إلى أن أعمال المـسح الأثـرى أثبتـت أن هـذه العلامـات لـم تكـن موجـودة قبـل دخول بعثات الملوك الأوائل للصحراء الغربیة فى عصر الأسرة الرابعة، وممـا لاشـك فیـه فـإن وضـع هـذه العلامـات علـى الـدرب للوهلـة الأولـى یـدل علـى انعقـاد العزم عند المصریین القدماء على اجتیاز هذه الرحلة أكثر من مرة، وهذا ما اتضح مـن تكـرار قـدوم البعثـات الاستكـشافیة، ممـا جعـل مـن الـضرورى وضـع علامـات إرشـادیة لتیسیر عملیة الذهاب والعودة عبر الطریق، ومن خلال دراسة البقایا الفخاریة الموجـودة على طول الدرب؛ اتضح أن أكبر كمیة منها عثر علیه فى المواقع التى ترجع لعـصر الدولة القدیمة.

وأوضح صبرى أنه بعد مغادرة عاصمة الواحة الداخلـة (مدینـة مـوط) بحـدودها الـسكنیة، وتحدیـدًا بمغـادرة مطار الداخلة وباتجاه جنوب غرب یصل المسافر لأول نقطة على الدرب وهى صخرة ميرى وتبعد عـن مدینـة عـین أصـیل بحـوالى 89 كـم تقریبـا وفـى هـذا المكـان توجـد ثلاثـة صــخور طبیعیــة علــى واحــدة منهــا نقــش ورد بــه اســم شــخص یــدعى مــرى، وهـذا المكـان مثـل غیـره مـن المحطـات الموجـودة علـى الـدرب، لـه نـصیبه مـن بقایـا الأوانـى والكـسرات الفخاریـة التـى ترجـع إلى عـصور مختلفـة، ووقفـت أعمال المسح الأثرى بهذه المنطقة على عشرة مواقع بهـا شـواهد أثریـة مختلفـة، لـم یُـشر إلیهـا بأسـماء معروفـة، ولكـن سـجلت بأرقـام فقـط، وأهـم اللُ قـى الأثریـة بهـذا الموقـع البقایـا الفخاریة، تلك التى تعود إلى نهایة الدولة القدیمة وعصر الإنتقال الأول، والتى لا یوجد مجـال للـشك أنهـا صـنعت فـى عـین أصـیل، بالإضـافة إلى مجموعـة الأوانـى المختلفـة الأشـكال والأحجـام، والتـى ثبـت مـن د ارسـتها أنهـا تنتمـى لفترات تاریخیـة هامـة، تـشمل عـصر الإنتقـال الثـانى وعـصر الدولـة الحدیثـة، بـل وهنـاك بقایـا رومانیـة وإسـلامیة أیـضًا، ومـن أروع مـا خلّفـه المـسافرون علـى هـذا الـدرب، تلـك النمـاذج الفخاریـة التـى تنتمى إلى حضارة الشیخ مفتاح.

وافاد صبرى أن المحطة التالية هى محطة یعقوب التى تبعد عن نقطة الإنطلاق بعین أصیل بمسافة 129 كم تقریبًا، وفى نطاق هـذه المحطـة توصـلت أعمال المـسح الأثـرى لـدلائل تـشیر إلى ثلاثـة عـشر موقـع أثـرى تـضم شـواهد أثریـة مختلفـة، مـسجلة بأرقـام فقـط. وعُ ثـر بهـذه المحطـة علـى مخـزن رئیـسى للمـؤن اللازمة للـسفر، ویوجـد أیـضًا أمـاكن للإسـتراحة ربمـا اسـتخدمت لأكثـر مـن یـوم ولیلـة، وهى عبارة عن ملاجىء صخریة حُـددت جـدرارنها بأحجـار صـغیرة، وبالتـالى تـم الكـشف عن أماكن إشعال النار، ومـن الأدلـة التـى تـشیر إلى أهمیـة هـذا الموقـع وجـود كتـل صـغیرة الحجـم مـن الحجـرالرملـى علیهـا علامـات حلزونیـة، ومنـاظر حیوانیـة، هـذا بالإضـافة إلى مـأوى صـغیر أسفل التل كان یستخدم كاستراحة.

وأشار صبرى إلى أنه من البدیع فى هذا المكان وجود مجموعة مـن العلامـات المنحوتـة علـى الـصخر عبـارة عن حزوز، والتى ربما تفسر كعملیة حسابیة لعـدد الأیـام التـى قـضیت فـى هـذا المكـان، وربما تكون مواضع لسن الأدوات على الحجر، وتـشهد هـذه المحطـة أهـم علامـة مـن العلامـات الإرشـادیة علـى الـدرب، وهـى علامـة تمـت إقامتهـا بكسرات كثیـرة مـن الحجـارة الـسوداء المنتـشرة بـالم وقع، بارتفـاع حـوالى٢م تقريبا ًا، ونظـرا لارتفاعهـا فقـد أُطلـق علیهـا إسـم أم العلامـات والتـى ربمـا اســتُخدمت لمراقبــة الطریــق أیــضًا، وهــذا الموقــع مثــل غیــره مــن محطــات التمــوین والإسـتراحات الموجـودة علـى طـول الـدرب، حیـث عُثـر بـه علـى كثیـر مـن بقایـا الآنیـة الفخاریة المختلفة الأشكال والأحجام، وترجع إلى عصور تاریخیة مختلفة، ومـن أهـم البقایـا الفخاریـة بهـذه المحطـة وجـود كـسرات لاثتنـین مـن الأوانـى الكبیـرة التـى تـستخدم للعجـین، كـل إنـاء منهـا سـعته تزیـد عـن 50 كجـم، ممـا یـدل علـى تواجـد دائـم لإمـداد القوافـل بمـستلزماتها خـلال الرحلـة، ویؤكـد ذلـك تلـك الـدوائر الحجریـة التـى عثـر علیهـا بــالموقع؛ والتـى ربمــا اسـ تُخدمت كموضــع لعلـف الحمیــر أثنـاء الــسفر علــى الدرب.

جانب-من-كسرات-الفخار
جانب من كسرات الفخار

 

حوض-من-الأحجار-لإطعام-الدواب-فى-الطريق
حوض من الأحجار لإطعام الدواب فى الطريق

 

درب-أبو-بلاص-العتيق
درب أبو بلاص العتيق

 

سمى-الدرب-بهذا-الإسم-لانتشار-فخار-البلاص-فيه
سمى الدرب بهذا الإسم لانتشار فخار البلاص فيه

 

صخرة-أم-العلامات-بدرب-ابو-بلاص
صخرة أم العلامات بدرب ابو بلاص

 

صورة-نادرة-لبول-أثناء-رحلته-عام-1918
صورة نادرة لبول أثناء رحلته عام 1918

 

نقوش-وحفريات-على-التل
نقوش وحفريات على التل

 

هضبة-أبو-بلاص-أحد-أهم-علامات-الدرب
هضبة أبو بلاص أحد أهم علامات الدرب

 

أحد-الباحثين-يتأمل-البلاص-المكسور
أحد الباحثين يتأمل البلاص المكسور

 

احدى-الجرار-منذ-آلاف-السنين-على-الدرب
احدى الجرار منذ آلاف السنين على الدرب

 

الباحث-جان-بول-يستكشف-الدرب
الباحث جان بول يستكشف الدرب

 

بقايا-الاوانى-الكبيرة-البلاص-فى-الطريق
بقايا الاوانى الكبيرة البلاص فى الطريق

 

بقايا-الفخار-على-درب-أبو-بلاص
بقايا الفخار على درب أبو بلاص

 

بقرة-ترضع-صغيرها-على-تل-أبو-بلاص
بقرة ترضع صغيرها على تل أبو بلاص

 

بلاص-أثري-موجود-فى-الطريق
بلاص أثري موجود فى الطريق

 

تل-أبو-بلاص
تل أبو بلاص

 

جانب-من-درب-أبو-بلاص
جانب من درب أبو بلاص
 
نقوش-لإنسان-ماقبل-التاريخ
نقوش لإنسان ماقبل التاريخ









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة