حازم حسين

الكبير أوى.. رهانات صالحة تبحث عن «لعبة جديدة»

الإثنين، 17 أبريل 2023 02:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الولاء أثمن ما يُمكن أن يقتنصه عمل فنى من جمهوره.. يبدأ الفن من سؤال الاحتياج: تمضية الوقت وطموح المعرفة، أو الخواء الروحى والسعى إلى استكشاف النفس والعالم، وغايته أن تكون إجابته الإشباع والإمتاع، وأن تتحوّل العلاقة من استهلاك نفعى على قاعدة ما يُقدّمه العمل لحظيًّا لجمهوره، إلى اتصال يتّخذ هيئة إنسانية عاطفية مُجرّدة من حسبة المنافع.. قليل من الأعمال أصابت ذلك، ولعلّ منها مسلسل «الكبير أوى» بأجزائه السبعة!
 
بدأ المسلسل قبل ثلاث عشرة سنة تقريبا، ويصل بنهاية موسم رمضان إلى 180 حلقة موزّعة على 7 أجزاء، أول اثنين منها كان يُفترض عرضهما جزءًا واحدًا لولا إصابة أحمد مكى خلال التصوير. السنوات وحجم الساعات يجعلان «الكبير أوى» واحدًا من أطول سلاسل الدراما المصرية وأكثرها أُلفة وقربا للناس، إذ لا يسبقه فى عدد المواسم إلا «راجل و6 ستات»، ولم يحدث تقريبا من قبل أن توقف مسلسل 7 سنوات ثمّ عاد فوجد جمهوره وفيًّا ومُخلصًا كما كان على العهد، إلى درجة أن يُحقق فى موسم 2022 نجاحًا ربما يفوق نجاحات أجزائه الأولى!
 
تستند خلطة «الكبير أوى» إلى باقة من الرهانات: أولها «الوعى المفارق» إن جاز التعبير، عبر استعارة سياق ثقافى أو اجتماعى يتجاوز معرفة الشخصية التقليدية، وبناء المفارقة من هذه المقابلة غير المنطقية، ثم المحاكاة الساخرة للأحداث والمواقف والشخصيات، وأخيرًا معالجات «البارودى» لأعمال فنية معروفة.. على الأعمدة الثلاثة تأسّست اللعبة، وغذّتها صيغة درامية مفتوحة ومتشابكة الخيوط بنماذج بشرية كاريكاتورية، وأهم عناصرها مفارقات الدراما والحوار وسوء الفهم والمبالغات، والغباء أحيانا، وأى اختلال لتلك المُعادلة ربما لا يكون فى صالح التجربة!
 
حافظ المسلسل طول الوقت على صيغة مُتماسكة فى معالجة موضوعاته، وظل وتر الكتابة مشدودا إلى آخره، إذ يُمثّل السيناريو أهم ركائز هذه النوعية من فنون الأداء والكوميديا.. الجزء الأخير يبدو أن وتره ارتخى قليلا، ربما بانضمام عناصر جديدة إلى فريق الكتابة، أو تبدّل الرهانات الكوميدية وارتباط مُمثّلى الأدوار الرئيسية بالتزامات أخرى خلال الموسم، فى النهاية بدت «المزاريطة» مُفرّغة جزئيًّا من عناصرها اللامعة، بدءًا من عدم اجتماع الشخصيات الأساسية التى كانت تُشكّل مُفردات «جاليرى الكاركترات» المّولّد للمفارقة والضحك فى مشاهد موسّعة معًا، أو اختفاء عدد منها لفترات طويلة ودون مُبرّرات فى الغالب، إلى حدّ غياب «جونى» مثلا بمجرد ظهور «حزلقوم» فى حلقة فريق الكرة، وغياب أشرف وفزاع طويلا.. يتسرّب شعور بالاقتصاد وضغط اللوحات بشريًّا وتقنيًّا قدر الإمكان، أو أن الكتابة باتت تكره بعض الشخوص وتتعمّد إخفاءهم أو إزاحتهم من المسرح، وليس أن الدراما تختار التشكيلة المناسبة لملء الملعب فى لحظة بعينها!
 
ما زال «الكبير أوى» عمل جذّاب ومُمتع؛ لكن لياقته ليست كما كان مُعتادًا، سواء فى القدرة على ابتكار الأفكار والمُعالجات، أو مفاتيح توليد الكوميديا والمفارقات ومُثيرات الضحك، أو فى حضور الخطابية والوعظ أحيانًا كما فى حلقات السوشيال ميديا.. تستند الحلقات إلى الآن على أكتاف أحمد مكى ومحمد سلام بالدرجة الأولى، ثم يخفت حضور البقيّة نسبيًّا، حتى ضيوف الشرف من نجوم الصف الأول، وإلى ذلك يُعاد إنتاج الموضوعات لدرجة قد تستدعى المقارنة، كما فى مباراة كرة القدم مؤخرًا بالقياس إلى مباراة الرجبى فى الجزء الثانى 2011، كما تحوّل المسلسل نفسه إلى موضوع للمحاكاة بمواقف وإشارات حوارية إلى حلقات وأجزاء سابقة، أو تعليق الكبير مثلا على غناء جزء من مقدمة المسلسل فى حلقة آيتن عامر: «مين اللى نزل بالتتر»، يبدو الأمر مُنسجمًا مع روح اللعبة بما فيها من تغريب وسخرية وكسر للجدار، ومُحقّقًا للأُلفة بجعل الحلقات نفسها موضوعًا لتوليد الكوميديا، لكنه قد يُشير ضمن دلالاته إلى اهتزاز ماكينة نسج الأفكار وبناء الحكى وتصعيده بمعزل عن الاجترار واستحلاب التجربة إلى الأخير!
 
يُجيد المخرج أحمد الجندى التعامل مع الكوميديا، ومع «الكبير أوى» على التحديد، وفى الجزء السابع يحافظ على مستوى ثابت من الأداء، ببناء بصرى يحفظ طبيعة المكان وتاريخ الشخصيات، وإيقاع مشدود لا تُثقله الاستطرادات ودهون الصورة والدراما، وإلى جانبه يُحافظ مدير التصوير والمونتير على حساسيتهما فى إبقاء الأجواء المألوفة مطبوعة ببصمة السلسلة وروح شخوصها، وإن تسرّب أحيانًا شعور بالتكرار أو إعادة إنتاج السياقات البصرية وتتابع الأحداث، ربما اتّصالا بحالة الكتابة فى الأساس.. المهم أن العمل فى عناصره البصرية بدا لائقا وجميلا، وقادرًا على تثبيت حالة الولاء بمغازلة الحنين فى وعى المشاهدين، وتوظيف رصيد الضحك الكبير عبر السنوات فى إعادة إنتاج البهجة هنا والآن!
 
أكبر تحديات التجربة التغلّب على مُسبّبات الروتين والاعتياد، يُمكن أن يكون «الكبير أوى» رفيقًا دائمًا لجمهوره فى السنوات المقبلة.. قماشة العمل وطبيعة الشخصيات ومادة الدراما المُتاحة تسمح كلها بالامتداد - إلا لو كان صُنّاعها قد اكتفوا منها ولا نيّة لديهم فى المزيد - لكن يتطلب الأمر إعادة تأسيس للعبة من جديد، ربما بتوسعة ركائز الرهان بعيدا عن الاكتفاء بالمحاكاة الساخرة، أو بالعودة إلى مقاربة عالم القرية أكثر من استعارة الأجواء المدينية، أو إعادة تخطيط الفضاء البشرى للحكاية بإضافة أو تعديل مسارات الشخصيات.. فكرة أحمد مكى ما تزال قوية وصالحة لإنتاج الضحك، وفريق كتابته رشيق ومُخرجه واعٍ وجميل، والشعبية والولاء للعمل لا حدّ لهما فى نفوس الجمهور، ويحتاج الأمر فقط أن يُعيد «الكبير» اكتشاف نفسه، واكتشاف التغيّرات الطارئة على الجمهور، وهو احتياج لازم لحالة كوميدية لطيفة ومهمة، بل لعلّها الأبرز والأكثر حضورًا خلال السنوات الأخيرة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة