يتمثل الهدف السابع من رؤية مصر 2030 في السلام والأمن المصري؛ حيث تضع الدولة أولوية قصوى للأمن بمفهومه الشامل على المستويين الوطني والإقليمي كضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ عليها، ويتضمن ذلك ضمان الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة المستدام والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي والأمن المعلوماتي (السيبراني) وتأمين الحدود المصرية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وعرفت منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) التنمية المستدامة بأنها عمليّة إدارة قواعد الموارد الطبيعية، والعمل على توجيهها نحو التغير التقني والمؤسسي بصورة تضمن تحقيق واستمرار إشباع الحاجات البشرية للأجيال الحالية وكذلك المستقبلية، ومن ثم يمكن القول بأنها نشاط شامل لكافة القطاعات في الدولة؛ بغية تحسين ظروف الواقع، من خلال دراسة الماضي والتعلم من تجاربه، وفهم الواقع وتغييره نحو الأفضل، والتخطيط الجيد للمستقبل، وذلك عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد والطاقات البشريّة والمادية بما في ذلك المعلومات والبيانات والمعارف التي يمتلكها المقيمون على عملية التنمية، مع الحرص على الإيمان المطلق بأهمية التعلم المستمر واكتساب الخبرات والمعارف وتطبيقها، وتشمل التنمية كافة المجالات الحياتيّة؛ حيث تتضمن التنمية الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية والعسكريّة والإنسانية والنفسية والعقلية والطبيّة والتعليمية والتقنية وغيرها، بحيث تهدف بشكل رئيس إلى رفع وتحسين مستوى المعيشة لدى الأفراد، وضمان معيشة أفضل للأجيال القادمة.
ويرتبط الأمن بسلامة المجتمع وأفراده وسلاسة واستمرار سريان الحياة في صورتها الهادئة؛ إذ يوفر الكرامة والخصوصية والاستقلالية، ويعضد المسئولية الجماعية إزاء تحقيق متطلباته بالتضافر مع المؤسسات الأمنية وأجهزتها المتخصصة والتي تُعد صمام الأمان للمجتمع ضد كل صور الإرهاب الذي يشير إلى كل فعل يقوم على العنف أو التهديد أو الترويع بغرض إثارة الرعب أو الفزع للمجتمع لتحقيق أغراض سياسية أو أيديولوجية.
ويشير الأمن القومي إلى ما تنتهجه الدولة من إجراءات على المستوى الداخلي أو الخارجي بغية تأمين مواطنيها ومصالحها ومقدراتها وحدودها؛ لتحافظ على سيادتها واستقلالها السياسي بين مصاف الدول، ومن ثم يستهدف الأمن القومي تحقيق أعلى معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والسياسية ليوفر الحماية والأمن المجتمعي للدولة.
ويرتبط الأمن الغذائي بمدى مقدرة الدولة على تأمين الغذاء للمجتمع بمواصفات تحدد الكم والنوع والتوزيع لجميع فئات العمر والجنس والحالة الاجتماعية والاقتصادية، وفي المقابل تحاول الدولة المصرية عبر مشروعاتها القومية ووفق استراتيجية واضحة أن تصل إلى مستوى الاكتفاء الذاتي من الغذاء الكامل؛ إذ تسعى بصورة إجرائية إلى إنتاج الغذاء بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي، ومن ثم تقوم بتصديره، والغذاء الصحي يضمن حياة مفعمة بالنشاط والصحة والحيوية المقبولة وفق المعايير العالمية المتفق عليها.
ونود الإشارة إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من سلعة غذائية أو أكثر، يحقق الأمن الغذائي، في ضوء معايير اقتصادية مرنة، تضمن للدولة فائدة نسبية أو تنافسية مع الخارج، ولا يعني ذلك انكفاء الدولة على ذاتها والاستغناء عن التبادل التجاري، والكف عن الاستيراد، فهذه ممارسات غير مقبولة، سواء في الحرب أو في السلم.
ويقصد بالأمن المائي آلية توفير الماء اللازم للمجتمع من مصادره الطبيعية وغير الطبيعية، والمقدرة على توزيعه بصورة عادلة بما يلبي الاحتياجات ويفي بالمتطلبات البشرية وغير البشرية، بالإضافة لمقدرة الدولة على حماية مصادرها الطبيعية من أية تعديات خارجية أو داخلية، كذلك عقد الاتفاقيات التي تضمن استمرارية المصادر الطبيعية على المستويين الإقليمي والدولي في ظل القانون السائد، كما يشير الأمن المائي إلى تلبية الاحتياجات المائية في صورتيها الكمية والكيفية في ضوء المتاح، والعمل المستمر على تطوير آليات التوظيف والاستخدام والتنمية المستدامة للموارد المائية، ومواصلة البحث عن مصادر وموارد مائية جديدة بالطرائق والأساليب المختلفة.
وتعتمد مصر في استراتيجيتها المائية على تنويع مواردها ما بين الاعتماد على مياه نهر النيل والمياه الجوفية ومياه الأمطار والمياه المُعالَجة، ومن ثم أصبح هناك مصادر تقليدية كالأنهار والبحيرات والآبار والأمطار؛ وغير التقليدية كالمياه المحلاة من البحار والصرف الصحي ومياه الري الزراعي.
وتسعى الدولة المصرية لتوفير متطلبات الشعب من المياه؛ حيث أقامت العديد من المشروعات القومية التي تُسهم في إيجاد البدائل والتي منها سدود الحصاد المائي ومحطات مياه الشرب الجوفية ومشروعات تطهير المجاري المائية وخطط الترشيد الزراعي التي تستهدف التحول من الري بالغمر إلى الري بالتنقيط.
ويعني أمن الطاقة، في الدول المستهلكة، وفرة الإمدادات بأسعار مقبولة ومستقرة بما يلبي احتياجاتها؛ وفي الدول المصدرة للطاقة يعني ضمان الطلب على مصادر الطاقة بأسعار عادلة بصورة مستمرة تحقق من خلالها الاستثمار في مواردها. والبعد الاقتصادي هنا يحقق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين خاصة فيما يرتبط بقضية السعر العادل، ولا ينفك ذلك عن الأمن الطبيعي الذي يشمل المنشآت والبنى التحتية ومسارات الإمداد للطاقة وحمايتها، وبالطبع فهنالك ضرورة للمنظمات الدولية التي تعمل على تنظيم سوق الطاقة العالمي وتحرص على استقراره بصورة تتسم بالشفافية، ويرتبط ما تقدم بالبعد البيئي؛ حيث ضمانة الاستخدام الصحيح لمصادر الطاقة بما يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري ويحد من التغيرات المناخية التي يتأثر بها العالم بأسره.
وتسعى الدولة المصرية لتحقيق أمن الطاقة؛ حيث تعمل على توفير مصادر الطاقة النظيفة والأحفورية من أجل ضمان تحقيق واستمرارية التقدم الاقتصادي الذي تسعى إليه، وبما يلبي احتياجاتها في شتى المجالات الحياتية وغير الحياتية، ومصر من الدول التي تسعى لاستخدام أشكال الطاقة النظيفة المنتجة من مصادر الرياح والمياه والشمس.
وتهتم الدولة المصرية بتحقيق الأمن الصحي الذي يكمُن في حرص مؤسسات الدولة الصحية في منع الأوبئة والحد من الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تتمخض عنها هذه الأوبئة؛ حيث تعمل المؤسسات الصحية على توفير الرعاية الشاملة، بغرض حماية الفرد والمجتمع من المخاطر التي تنجم عن الأمراض المعدية والمستجدة، وتقلل من انتقالها وتحد من مسبباتها، من خلال إجراءات استباقية برغم التحديات المتواترة التي يعاني منها العالم أجمع.
وتعد قضية البيئة من القضايا التي تتجاوز الحدود الوطنية للدول، ويُعد الأمن المتعلق بها إحدى ركائز إحلال السلام والأمن وضمان حقوق الإنسان، والأمن البيئي يُعنى به مقدرة الدول على مجابهة التحديات التي تفرضها بعض المتغيرات نتيجة لأسباب بيئية والتي منها ندرة الموارد والتغيرات المناخية والثورات الصناعية، ونظرة الدولة المصرية للأمن البيئي تؤكد على ضرورة الحفاظ على المصادر الطبيعية التي تضمن سلامة التركيبة الاجتماعية ودفع عجلة الاقتصاد من أجل الإبقاء على جوِّ الاستقرار سائدًا على الصعيد المحلي والإقليمي بين الدول.
ويشير الأمن السيبراني إلى التدخلات التقنية والتدابير الإجرائية التي تُتخذ في حماية الأجهزة والشبكات الرقمية وما تحويه من بيانات ومعلومات، وما يرتبط بها من كلمات ورموز مرور وحماية للوصول بهدف الحفاظ على سلامة ونزاهة المعلومات المخزنة بالأجهزة والتقنيات الرقمية، والأمن السيبراني يعمل على حماية المؤسسات والأفراد والمجتمعات من الأفكار المستوردة أو الدخيلة؛ بغية تدمير الانتماء الوطني عبر اختراق المعلومات والبيانات الأمنية أو الشخصية أو التأثير على المجتمع بأفكار سلبية هدامة، كما يساعد الأمن السيبراني على حماية الدولة من الأخطار التي قد تنجم عن استخدام الإنترنت بكافة صوره وفق أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية والقانونية؛ فبرغم ما تحمله مواقع التواصل الاجتماعي من إيجابيات في تداول واكتساب الخبرات؛ إلا إنه لها سلبيات يصعب حصرها وفي مقدمتها غياب الموثوقية، وتوظيفها لنشر الفكر المنحرف والهدام ودعم للأخبار غير الصحيحة والشائعات، بما يعد تهديدًا للأمن والأمان والاستقرار وإضعافًا للأمن النفسي بخلق حالة من التوتر والخوف والقلق والاضطراب على مستوى الفرد والمجتمع.
وفي ضوء توافر أنماط الأمن سالفة الذكر يستشعر المواطن الأمن النفسي الذي يتأكد بشعوره بالأمن والاستقلالية مرتبطًا بتقبله وتقديره للآخرين، وتقبلهم وتقديرهم له، مما يُسهم في إشباع حاجاته ويحد من مستوى التوتر والقلق والتهديد لديه، ويكتمل الأمن النفسي عندما يمتلك الفرد الآليات الفاعلة التي يواجه بها ما يتعرض له من أزمات؛ فعندئذ يشعر بالطمأنينة لمقدرته على الحد من التهديدات في حينها.
ولا ريب في أن أمن الحدود البرية والبحرية وترسيمها يؤدي لمنافع يصعب حصرها؛ فيُسهم في ضخ الاستثمارات، ويعزز آليات البحث والاستكشاف عن الموارد الطبيعية، ويقوي من وجود الدولة بمزيد من الإعمار خاصة بحدودها المتاخمة لدول الجوار، وهذا ما عملت عليه الدولة المصرية بفضل توجيهات قيادتها الرشيدة.
حفظ الله وطننا، ووفق قيادتنا السياسية لمزيد من التقدم والازدهار، وتحقيق الأمن، والسلام، والاستقرار لجمهوريتنا الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة