ربما تبقى قضية اللاجئين، ليست حديثة العهد على الإطلاق، فهي ترتبط بالأساس مع النزاعات التي تنشب بين الحين والأخر، والتي تجلت في أبهى صورها في العقد الماضي، مع اندلاع "الربيع العربي"، مع فرار ملايين البشر من مواطني الدول التي انزلقت في مستنقع الحروب الأهلية، بحثا عن ملاذات آمنة، حيث انتقل "السواد الأعظم" منهم، نحو دول الجوار، بينما نجحت أعداد محدودة نسبيا، بالمقارنة بنظرائهم في المنطقة العربية، نحو الانطلاق إلى أوروبا، على غرار بعض السوريين، والذين نجحوا في الوصول إلى ألمانيا والنمسا وهولندا وغيرهم، ليشكلوا ضغطا واضحا على الاقتصاد والمجتمع، ربما ظهرت تداعياته بوضوح في السنوات الأخيرة، مع صعود قوى سياسية جديدة داخل دول القارة العجوز، تتبنى نهجا مناوئا لسياسة قبول الأجانب على أراضيهم، سواء كانوا في صورة مهاجرين أو لاجئين.
إلا أن الجديد في مشهد اللجوء في العالم، يتجسد في تحوله إلى حالة عامة، لا تتسم بالمحدودية، جراء تمدد نطاق الصراع جغرافيا، في ظل نشوب الأزمة الأوكرانية، والمخاوف المرتبطة بتفاقمها، لتشكل ضغطا جديدا على دول أخرى، في مناطق الجوار الأوروبي، وهو الأمر الذي بات يمثل حالة أشبه بـ"الكابوس"، لدى مراكز صناعة القرار في العديد من عواصم العالم، في ظل ما تعانيه أساسا من ضغوط اقتصادية جراء التضخم، والغلاء، والبطالة، ناهيك عن المخاوف الأمنية المترتبة عن احتمالات تسلل عناصر خطرة قد تشكل تهديدا للأوضاع داخل العديد من دول القارة، وهو الأمر الذي ربما يدفع نحو مزيد من الاهتمام بالقضية على المستوى العالمي، عبر العمل على إنهاء الصراعات التي دفعت ملايين البشر نحو الهروب من بلدانهم من جانب، وتقديم المساعدة للدول المستقبلة لهم في مناطقهم، حتى يتسنى لهم القيام بدورهم تجاه الفارين إلى أراضيهم من جانب آخر، ناهيك عن التركيز على جوانب إعادة الإعمار وتحقيق التنمية في مناطق الصراع من جانب ثالث.
ولعل الحديث عن الجوانب الثلاثة سالفة الذكر، بمثابة تلخيص للرؤية التي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في حديثه مع المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي، والتي دارت حول مفهوم "المقاربة الشاملة"، يتحول فيها الدور الذي تقوم به القوى الدولية الكبرى من مجرد تقديم "الدعم" المالي والمادي إلى الدول المستقبلة للاجئين، إلى نطاق أكثر شمولا، يحمل في طياته "التزامات" سياسية واقتصادية وتنموية، من شأنها ليس فقط وقف الصراع، وإنما "بناء" حالة من السلام والاستقرار، في مناطق الصراع، لتكون مؤهلة لاستقبال مواطنيهم مجددا، وهو ما يعني ضرورة الانخراط الحقيقي والجاد، عبر التواصل مع مختلف الأطراف، لتحقيق مصالحات، مع العمل على وضع الأسس اللازمة لإرساء منظومة تنموية ذات أبعاد مستدامة، من شأنها تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمجتمعي، بعيدا عن سياسة "التنظير" التي هيمنت على المشهد العالمي لعقود طويلة من الزمن.
الأمر لا يقتصر على إنهاء الصراعات، وإنما يمتد إلى النظرة تجاه الدول التي تستضيف ألاف البشر، الذين فروا من أوطانهم، بحيث تتحول مفاهيم "الدعم" الذي دأبت القوى الكبرى على الترويج لها طيلة السنوات الماضية، نحو "الالتزام" بالشراكة، في ضوء حقيقة مفادها أن الدور الذي تقوم به تلك الدول، هو في جوهره، بمثابة غطاء من الحماية الذي تقدمه لهم، في ضوء مكافحتها لمئات المحاولات، على مدار يومي، لعمليات تهريب ملايين البشر إلى أوروبا، وهو ما يمثل بعدا آخر لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال عند مناقشة مثل هذه القضية.
وفي الواقع أن مكافحة عمليات التهريب، في ظل الظروف الدولية الراهنة، تمثل خدمة جليلة تقدمها الدول المستضيفة للاجئين القادمين من مناطق الجوار، تجاه الدول الأخرى البعيدة، خاصة في أوروبا، والتي لم تعد تحتمل استقبال المزيد من البشر، في ظل تدفق ألاف الأوكرانيين إلى أراضيهم، منذ اندلاع العملية العسكرية الروسية، قبل أكثر من عام، وما ترتب على ذلك من تداعيات كبيرة على المجتمع والاقتصاد والسياسة.
وتمثل الرؤية المصرية تجاه قضية اللاجئين والنهج الذي ينبغي تبنيه في التعامل معها دوليا، حالة من التناغم، يبدو واضحا في موقفها السابق من قضية المناخ، والقائم على ضرورة النظر إليها في إطار تنموي، عبر مساعدة الدول الفقيرة على تحقيق التنمية، وليس مجرد تقديم "حفنة" من الدولارات لهم، وهو ما يعد انعكاسا لشمولية المقاربات المصرية في التعامل مع الأزمات التي يشهدها العالم.
وهنا يمكننا القول بأن الرؤية التي تتبناها الدولة المصرية تجاه العديد من الأزمات العالمية، تتسم بقدر كبير من الانسجام، في إطار من الشمولية، عبر التركيز على أولوية التنمية، لتكون الخيار الأمثل للحل، سواء فيما يتعلق بالصراعات والنزاعات العسكرية، أو أزمات الاقتصاد، أو المناخ، أو حتى التهديدات الداخلية التي تواجه الدول كالإرهاب، على اعتبار أنها قابلة للتمدد إلى مناطق أخرى بعيدة.