بعد 12 عاما من التجميد ها هى سوريا تعود إلى الحضن العربى من القاهرة بقرار تاريخى بامتياز للعرب فى ظل ضغوط وتحديات كبرى ليس في المنطقة فحسب، إنما في العالم كله الذى يشهد ولادة نظام عالمى جديد، لذا فإن قرار العودة له دلالات ومؤشرات عدة، فعندما يكون قرارا بالإجماع ويأتى دون تحفظ من أى دولة يعكس قطعا وحدة القرار وسلامة التوجه وقوة الإرادة، بل ويٌشجع سوريا نفسها بالالتزام أكثر بما تم التوافق عليه خلال المشاورات الأولية والتوافقات قبل اتخاذ القرار بجامعة الدول العربية، لتصبح سوريا بدءا من اليوم لها الحق في المشاركة في أعمال القمة، وإذا رغب الرئيس السورى بشار الأسد حضور القمة العربية المقبلة فله كامل الحق.
غير أن قرار العودة يدخل سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح والتعاون البنَّاء، وبمثابة مقدمة لانتهاء معاناة السوريين جرَّاء العقوبات، وحرمانهم من الاستفادة من مُقدَّراتهم وثرواتهم، وإنهاء النزاع والانشقاق والخلاف، لتعود سوريا إلى الحضن العربى فاعلة وليس طرف فقط بل عودة لمسار العمل العربي الجماعي.
وهذا القرار قطعا يُساعد على وحدة أراضيها في ظل وجود نظام مركزي حريص على مبدأ سيادة الدولة ويسهل حل مشاكل دمشق الداخلية؛ خاصة في ظل تواجد أجنبي على أراضيها، وعدم قدرتها على مواجهة هذا الأمر بمفردها.
والمهم أيضا أن يعى الجميع أن في نهاية أي صراع أو نزاع لا حل لأى أزمة إلا من خلال الحل السلمى أو المسار السياسى، وهذا ما يجب أن تستفيد منه البلاد التي تعانى من أزمات الانشقاق والخلاف، غير أن هناك مؤشرا قويا لا يمكن تغافله أن الجانب العربى بدأ بالفعل يعتمد على حل أزماته بنفسه، ويأخذ قراراته بعيدا عن أى هيمنة للقوى العظمى ومن منطلق مصالحه، وتحقيقا للتكامل العربى الذى أصبح أكثر قوة ما بعد الحرب الأوكرانية.
والدلالة الأهم، أن القرار أكد أن العقلانية السياسية هى التى سادت فى النهاية، وهذا ظهر جليا فى أن القرار جاء بالإجماع، واعتقادنا أن ذلك لم يأت من فراغ إنما جاء ثمرة جهود عربية لكثير من الدول العربية، أهمها مصر والسعودية والإمارات والعراق والأردن لتثبت المجموعة العربية أنها أدركت أنه قراراتها لابد أن تكون بأيديها لا بأيد غيرها، وأن الاعتماد على الآخر دائما ما يزيد من إطالة أمد الصراع، ويزيد من الخلافات والانقسام.
وكلنا أمل أن تنجح لجنة الاتصال المكونة من عدة دول عربية متمثلة في مصر والأردن والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية لمتابعة كل التبعات المتعلقة بالأزمة السورية مثل قضية التهريب الذي يعانى منه عدة دول عربية، وقضية اللاجئين، ودعم كافة المسارات الخاصة بالأزمة السورية للوصول إلى حل أو تسوية للأزمة ونهايتها، خاصة أنه ليس يعنى قرار عودة الدولة السورية إلى جامعة الدول العربية أنه حل نهائى للأزمة السورية، بل ما زالت الأزمة قائمة بأبعادها الدولية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فالقرار مهم وكان مطلوبا، لكن لا حل للأزمة إلا بالحوار السياسي وهذا مرهون على النظام السورى والأطراف الداخلية.. حفظ الله أمتنا العربية وحدة واحدة..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة