أحمد إبراهيم الشريف

حمدى أبو جليل "الفاعل".. بين السيرة الذاتية والفن

السبت، 17 يونيو 2023 01:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رحل الكاتب المتميز حمدى أبو جليل عن عالمنا، وترك للمثقفين ـ من بعده ـ صدمة الرحيل، وترك للثقافة العربية تراثًا مميزًا يحمل فى داخله مقومات خلوده.

وبعد رحيله عدت لقراءة روايته المميزة "الفاعل"، وكانت قد حصلت على جائزة نجيب محفوظ فى سنة 2008، وهى رواية مميزة بكل ما تحمله من قدرة على التشويق وربط القارئ بها، حيث إنها لن تتركك أبدًا، ستورطك فيها تمامًا، ستجد نفسك فيها بصورة أو بأخرى، وهذه هى الميزة الأهم فى الأدب أن يتماس معك، أن تشعر بأنه يتحدث عنك أو إليك.

فى "الفاعل" يبدو أن حمدى أبو جليل كتب عن جزء من تجربته الشخصية، مرحلة ذاتية مر بها، لكن الموضوع أكبر من ذلك، إنها عن القطاع الأكبر من الشعب المصرى الذى عمل فى "الفاعل" وما أدراك ما "الفاعل" وهمومه وتعبه، كل أبناء القرى والنجوع "رفعوا شيئا من مكان إلى مكان آخر" على حد قول حمدى أبو جليل.

إذن نحن فى الرواية بصورة أو أخرى نتلصص على حياة حمدى أبو جليل، التى هى حياتنا بشكل ما، أى أننا نتلصص على أنفسنا، فنجدنا متورطين فى عمل لا نحبه، وفى حلم نسعى إليه، ونجد أننا نبحث عن الحب بصورة أو بأخرى، ونلتقى نماذج بشرية ما أنزل الله بها من سلطان، كائنات غريبة تصلح شخصيات فى روايات غرائبية.

كتب حمدى أبو جليل رواية "الفاعل" وهو فى الأربعين من عمره، لكنه كان مصحوبا بهاجس الموت المبكر، كان يسير وكلمة إحدى العرافات مسلطة على رقبته، قالت له ستموت مبكرا، ستموت فى الخامسة والأربعين، لذا فإن حمدى أبو جليل كان يعد الأحد عشر عاما التى عاشها بعد ذلك "هبة" منحها له القدر.

أعتقد أن رواية الفاعل هى مفتاح قراءة شخصية حمدى أبو جليل وإبداعاته أيضا، إنه رجل "بدوى" عاش بهذه الطريقة، أعلى من قيم "البدوية" فى صفاته، لأنه رآها مرتبطة بالحرية، وهي القيمة التى ظن أنها مهددة فى وقت من الأوقات، هو بدوى كريم لا يقبل ضيما ويعبر بكل وضوح عما يريده، لا ينسى أن جدوده الأقدمين كانوا قطاع طرق لا يخشون شيئا، فأخذ من صفاتهم ما أخذ وترك ما ترك، وأخذ من ملامحهم أيضا الكثير، تشبه ملامحه فى مجملها هيئة "ذئب" لا يقبل المهادنة.

نعود للرواية وعالمها، لم يتخل حمدي أبو جليل عن الفن أبدًا، كان مدركًا للفارق الكبير بين الحكاية والرواية، لذا صنع لنا نماذج من الشخصيات مرتبطة به مثل شخصية "الدكتور " التي لم أقابلها من قبل في عمل أدبي، وهو شريك البطل في الرواية، وأحد الفاعلين المهمين برغباته وتصرفاته.

أما السخرية من الذات والآخرين والظروف المجتمعية والأحوال العامة فحدث ولا حرج في الرواية، لكنها ليست سخرية "قاتمة" بل إنها سخرية خفيفة الظل سخرية "بيضاء" وفى ذلك لا يختلف حمدي أبو جليل عن الطبيعة المصرية، التي تنطلق من السخرية لتقول لنا ما تشاء.

وتظل رواية "الفاعل" واحدة من  الروايات المبدعة في الأدب العربي، ويظل حمدي أبو جليل واحدًا من الموهوبين الذين مروا من هنا وتركوا علامة.

 







مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة