جرت العادة بل وسنن الطبيعة على أن تكون الآلات التي يستعملها الإنسان في حرفة من الحرف خاضعة في تقدمها وتحسنها إلى درجة الرقي التي يبلغها الإنسان في الطرق التي يتبعها في إبراز منتجات حرفة، وهذه القاعدة تنطبق بنوع خاص على الرقي الزراعي، فالآلات الزراعية في الواقع تتقدم بتقدم الزراعة والصناعة والتجارة.
ومنذ عهد ما قبل الأسرات نجد في مصر آلتين أصليتين خاصتين بالزراعة، وهما الفأس لفلح الأرض والمنجل لقطع المحصول وضمه، أي أن الأولى تجهز للفلاح عمله، والثانية تهيئ له حصد محصوله، وإذا فحصنا كلا من هاتين الآلتين نجد أن الطبيعة قد ساعدت على اختراعهما، فالفأس في الواقع حلت محل اليد عند ما يراد نبش الأرض لزرعها، وإذا تخيل الإنسان هذا المنظر فإن يده تمثل شكل الفأس عند حفر الأرض. أما المنجل فقد اخترع على غرار أسنان الحيوان وهو يأكل الحشائش، فأسنانه هي أسنان الحيوان، وقد نقل الإنسان هذا في المادة وأصبح يستعمله في كل أغراضه لضم محصوله.
وآلة المحشة "المنجل"، فمن الطبيعي أن الإنسان الأول سواء أكان صيادًا في البر أم في البحر لم يهتم بأمر النباتات واستعمالها لأغراضه الخاصة إلا في اليوم الذي أصبح في يده آلة من الظران صالحة لقطع الحشائش البرية أو نشرها ليستفيد منها، ومنذ أتقن المصري صناعة المحشة أصبح يصنعها بكثرة في معامل خاصة، حسب ما ذكر الدكتور سليم حسن فى موسوعته "مصر القديمة"، وقد جمع "دي مرجان" في بحثه عن الآلات بين المنجل والمنشار، لأن وظيفتهما تكاد تكون واحدة وقد عرفنا شكل المنجل من الإشارات المصرية القديمة التي حفرت على مقابر الأسرات الأولى، والدولة القديمة.
كما نجد في النقوش الملونة في ميدوم رسمًا دقيقًا للمنجل، فالمقبض والسلاح قد لونا باللون الأخضر على حين أن الظران الأبيض يظهر في داخل المنجل، وكذلك نجد هذه الإشارة محفورة بهذا الشكل في عهد الأسرة الخامسة ولكن الرسم لم يبين لنا من أي عهد بدأت صناعتها من النحاس، كما ذكرت موسوعة مصر القديمة.