تلقى الرئيس جمال عبدالناصر، تقريرا عن نجاح العملية التى نفذتها المخابرات المصرية فى الشطر الجنوبى من اليمن، وكان بطلها الكاتب الصحفى جمال حمدى، المراسل العسكرى لمجلة «روزاليوسف» من اليمن، ويصفه الكاتب الصحفى يوسف الشريف فى كتابه «اليمن وأهل اليمن.. أربعون زيارة وألف حكاية» قائلا: «شخصية عذبة، طموحة، مغامرة، شارك فى النضال الوطنى ضد الملكية والاستعمار البريطانى لمصر، وسبق اعتقاله بتهمة العيب فى الذات الملكية وعمره 13 عاما، وتخرج فى قسم الصحافة دفعة 1960، وكان اول صحفى يقتحم القاعدة البريطانية فى قبرص، حيث قدم للعالم الكثير من الحقائق المصورة من داخلها، واشترك مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فى تفجير أحد المعسكرات الإسرائيلية، وكان بطلا للجامعة فى ملاكمة الوزن الثقيل، ومثل فى أفلام سينمائية، وأخرج أفلام تسجيلية، فضلا عن كونه مصورا بارعا، نال الميدالية الذهبية للتصوير من شركة كوداك».
أرسله إحسان عبدالقدوس رئيس تحرير «روزاليوسف» إلى اليمن مراسلا عسكريا، وأرسل قبله يوسف الشريف، لمتابعة دور القوات العسكرية المصرية التى سافرت تلبية لنداء قادة ثورة 26 سبتمبر 1962، ويذكر الشريف، أن «حمدى»، اختار فور وصوله إلى صنعاء الذهاب إلى «جنوب اليمن» المحتل من بريطانيا، لمتابعة شرارة ثورته التى اندلعت يوم 27 يناير 1963 بكمين نصبه الثوار لدورية من الجيش البريطانى تمر بمنطقة المجلاوى بردفان، وفقا لفتحى الديب فى كتابه «عبدالناصر وحركة التحرر اليمنى».
يذكر «الشريف»، أن «حمدى» نجح فى دخول عدن ببطاقة صحفية دولية لمراسل رويترز السودانى محمد الميرغنى، الذى تنازل عنها له وانتزع منها صورته، لكن الإنجليز كشفوا أمره فأعادوه إلى صنعاء، وكرر المحاولة مع المناضل سعيد الحكيمى، ونجوى مكاوى قائدة الميليشيات النسائية فى عدن بالانضمام إلى طاقم باخرة كانت متوجهة إلى ميناء عدن، لكن قبطان الباخرة رفض اصطحابهم عندما عرف نيتهم.
التقى «حمدى» فى صنعاء بضابط الجيش المصرى العقيد عبدالمنعم خليل، ووجهه للسفر إلى تعز ومقابلة ضابط المخابرات المصرية فخرى عامر، وقائد «العملية صلاح الدين» التى أنشأتها المخابرات المصرية لدعم قوى الثورة باليمن الجنوبى، ونصحه «عامر» بإطلاق لحيته واتقان اللهجة اليمنية، وفعل «حمدى»، وبقى على هذا الحال شهرا خضع فيه لاختبارات أمنية ونفسية دون أن يفهم السبب.
فى نهاية الشهر، كشف له «فخرى»، أنه سيقوم بمهمة إدخال سلاح وذخيرة وعتاد من تعز إلى منطقة «ردفان» التابعة لمحافظة «لحج» جنوب اليمن لإمداد الثوار بها، ويصف «حمدى» حالته ليوسف الشريف فور إبلاغه بالمهمة: «ابتهجت ونمت ليلتى لأول مرة قرير العين»، وكانت القافلة 100 جمل ستنقل 50 طنا من السلاح والذخيرة من مخلفات القوات البريطانية بعد انسحابها من قاعدتها العسكرية فى قناة السويس عام 1956.
يؤكد الشريف أن القافلة انطلقت فى 4 يونيو «مثل هذا اليوم 1964»، وفيها 300 يمنى يقودهم «حمدى» مرتديا العمامة والفوطة «الكشيدة» وهو الزى الشعبى لجنوب اليمن، وكانت تسير فى طرق مجهولة وفى مجموعات متباعدة بعد غياب الشمس، وتتوقف عند مطلع الفجر وتدخل الكهوف الجبلية، وأثناء الرحلة اكتشف «حمدى» أن أحد الأدلاء يتعمد السير بهم فى طريق معين غير الطريق الذى يسلكه الثوار، فرفع البندقية فى وجهه وأصابعه على الزناد، لينهار منحنيا على قدمى «حمدى» يقبلها، ثم أفضى بمعلومات أسفرت عن تغيير مسار الرحلة، والإفلات من كمائن أعدها عملاء الإنجليز فى الطريق.
يذكر «الشريف» أن القافلة وصلت إلى ردفان بعد 18 يوما وناخت الجمال بحمولتها فى قرية «السورق»، وحمل الأهالى جمال حمدى وسط التقبيل والأحضان والهتافات بحياته»، وفيما يذكر «الشريف» أن قوام القافلة كان «مائة جمل»، تقول جريدة «الميثاق» اليمنية أنها 120 جملا، مؤكدة على موقعها الإلكترونى «29 نوفمبر 2010» بعنوان «مذكرات صحفى مصرى»، أنها حصلت على وثائق جديدة من الصحفية نرمين القويسنى زوجة جمال حمدى، تؤكد فيها أن تقريرا رفع إلى الرئيس جمال عبدالناصر حول العملية، وتمت تحت إشراف جهاز «عملية صلاح الدين» الذى يربط بين الثورة المسلحة والتنظيمات السياسية بعدن.
عاد جمال حمدى إلى القاهرة ونشر سلسلة تحقيقات حول ما فعله، ومما رواه فيها استسلامه للبكاء عندما شاهد آلاف المشردين من جراء قصف الطيران البريطانى لقرى ردفان، وكان الجوع تمكن من أجسامهم الهزيلة، بينما عشرات الأطفال تحولوا إلى هياكل عظمية، وكتب نماذج من المقاومة اليمنية الجنوبية الفذة للاحتلال الإنجليزى، فحكى عن نور ناصر، المرأة الثائرة التى حصدت سبعة جنود بريطانيين، عندما هاجمت القوات البريطانية قرى قبيلة «البكرى» واقتحمت منزلها وقتلت زوجها محسن يحيى البكرى أمامها، فهجمت بشراسة على أحد الجنود وخطفت منه بندقية وأطلقت النيران على الجنود فقتلت سبعة، وتم القبض عليها لتلقى التعذيب فى السجن حتى ماتت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة