بيشوى رمزى

الاحتجاجات فى الغرب.. وأزمة "البحث عن ملهم"

الأحد، 02 يوليو 2023 02:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الثورات دائما ما يكون لها ملهمون، بينما تبقى حالة "البحث عن ملهم" بمثابة أحد أبرز إرهاصات الثورة، أو ربما مراحلها الأولية، في مختلف الدول، وهو ما يبدو في العديد من المشاهد الدولية والإقليمية، التي هيمنت على العالم في السنوات الأخيرة، وهو ما بدا أولا فى منطقة الشرق الأوسط، قبل أكثر من عقد من الزمان، حيث شهدت حركات احتجاجية متزامنة، في العديد من دول المنطقة، لتنتهي بانفجار "الربيع العربي"، وهو المشهد الذي ربما بات يتكرر بصورة تبدو منتظمة في الغرب خلال الآونة الأخيرة، سواء بسبب تطورات اقتصادية أو مجتمعية، أو نتيجة أحداث فردية، بدءا من جورج فلويد الذي قتلته الشرطة الأمريكية، قبل عدة سنوات، وحتى الفتى نائل، والذي تخرج جحافل البشر احتجاجا على مقتله في باريس وغيرها من المدن الفرنسية.
 
ولعل الأزمة الحقيقية في الحركات الاحتجاجية التي تستلهم قوتها من بعض الأحداث الفردية، وإن كانت تصل إلى حد الجرائم، تتجسد في طبيعتها "الفئوية"، حيث يصبح "ملهم" الثورة مجرد شخص، يعاني مثلهم، ولكنه تصدر المشهد، أو بالأحرى "الترند" على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما تفتقد في واقع الأمر للرؤية، التي يمكن البناء عليها، كما أنها تفتقد القيادة، فيلجأ الثائرون، وأغلبهم من الشباب الذي يهيمن عليه الحماس، نحو قيادات من نشطاء "السوشيال ميديا"، الذين لا يملكون خبرات كبيرة، سوى في "بناء" الصفحات والمتابعين، عبر الدعاية، فيصبح السقوط في مستنقع الفوضى، بمثابة المصير المحتوم الذي ينتهي به الحال، مما يضع البلاد والعباد على حافة الحرب الأهلية، وهو ما بدا بوضوح في النموذج الإقليمي، الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط، والذي ربما أنقذته العناية الإلهية، في أعقاب 30 يونيو التي أصلحت المسار في مصر أولا، بينما استلهمتها الشعوب الأخرى، في محاولة للعودة مجددا إلى المدار الصحيح.
 
المشهد الغربي، والذي يبدو متجددا، يمثل امتدادا لحالة من الغليان، لا تقتصر في واقعها على حادث فردي مؤلم، وإنما في جوهرها لحال قطاع كبير من المواطنين هنا أو هناك، باتوا يعانون جراء أوضاع صعبة، اقتصادية واجتماعية، وهو ما يمثل انعكاسا لـ"فئويتها"، بينما لم يروا بعد "ملهما" سياسيا، يمكنه قيادة دفة التغيير الجذري، الذي يطمحون إليه، والذي يتعارض في حقيقة الأمر مع "واقع" عملية التغيير، والتي لا يمكن أن تتحقق بين ليلة وضحاها، فهي بطبيعتها عملية تتسم بالتدرج، تتاج إلى الوقت والجهد والصبر، حتى يمكن تغيير الأمور إلى الأفضل، خاصة في ظل أزمات متواترة، تتجاوز ظروف السياسة والاقتصاد، ناهيك عن ظروف معقدة ومتشابكة، على المستويين الدولي والإقليمي، من شأنها إرباك حسابات أي قيادة.
 
فلو نظرنا إلى النموذج الفرنسي، ربما نجد أن ثمة مراحل عدة سبقت مظاهرات الغضب المتكررة التي تشهدها شوارع باريس ومارسيليا وليون، ربما أبرزها التقلبات التي شهدتها الانتخابات الرئاسية منذ عهد جاك شيراك، والذي جاء بعده اليميني نيكولا ساركوزي، ثم اليساري فرنسوا أولاند، وكلاهما جلس على عرش "الإليزيه" لفترة واحدة، وعندما فقد المواطنون الأمل في الأحزاب التقليدية، لجأوا في نهاية المطاف إلى حزب وليد، وهو "الجمهورية إلى الأمام"، ليعتلي مؤسسه إيمانويل ماكرون رئاسة البلاد، قبل مرور عام واحد على تأسيسه في عام 2017، ويصبح بعد ذلك أول رئيس يحصل على فترتين رئاسيتين، منذ شيراك.
 
وهنا يمكن للمتابع رصد حالة من انعدام الثقة في الساسة التقليديين، والهياكل الحزبية التي عفى عليها الزمن، وبالتالي غياب القيادة الحقيقية التي يمكنها تحقيق "لم الشمل" ربما بسبب الانغماس في صراعات السياسة، والتركيز على الأيديولوجيات بدلا عن الاهتمام بهموم المواطن وأزماته، لتتطور الحالة المجتمعية نحو التعبير عن الغضب بالخروج إلى الشوارع، وعدم الاكتفاء باللجوء إلى صناديق الاقتراع، مع رغبة تحقيق تغييرات أكبر وأوسع في زمن، وهو ما يرجع في الأساس إلى تراكم الأزمات، لتطال المطالب المؤسسات المنتخبة، على غرار احتجاجات "السترات الصفراء" في 2018.
 
وفي الواقع، يبدو ماكرون هو النموذج الأنجح في فرنسا منذ 2007، بشهادة غالبية الفرنسيين الذين صوتوا له مرتين، إلا أن الفجوة القائمة بين الشارع والسلطة، تبدو في مسارين، أولها معضلة "الزمن"، في ظل رغبة عارمة في تحقيق مطالب المواطنين، وظروف دولية تبدو صعبة ومعقدة، لا يمكن التعامل معها بسرعة، بينما يتجسد المسار الأخر في غياب القيادة الحكيمة للشارع، سواء من الأحزاب السياسية القائمة، أو من الرموز، ليتحول نظر الشارع إلى رموز "هلامية" من ضحايا الأحداث الفردية، والتي يجدون فيها نماذج أخرى منهم، تعبر عن حالهم.
 
وهنا يمكننا القول بأن مظاهرات الغرب المتكررة، على خلفية حوادث فردية، تمثل مرحلة متقدمة من حالة من الغضب الشعبي، جراء سياسات، تحتاج إلى تغيير، وظروف وأزمات، تحتاج إلى إرادة دولية للحلحتها، وبالتالي فإن الأمور تبدو في حاجة إلى إدراك مزدوج من قبل الشعوب إلى خطورة ما سوف تؤول له الأمور حال خروج الاحتجاجات عن مسارها، بينما السلطات لضرورة العمل على مستوى الداخل والخارج لاحتواء ما يشهده العالم من أزمات خطيرة، باتت تؤثر بشكل مباشر على مواطنيهم، بعدما كانت بعيدة جغرافيا عنهم قبل سنوات قليلة.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة