أبحرت فى مايو 1826 من مصر إلى فرنسا البعثة العلمية الثالثة التى أرسلها محمد على باشا إلى أوروبا، ضمن بعثاته العلمية إلى أوروبا، وبدأت بإيطاليا عام 1813، ثم البعثة الثانية إلى فرنسا عام 1818، ثم البعثة الثالثة إلى فرنسا ووصلتها فى يوليو 1826 حسبما يذكر الأمير عمر طوسون فى كتابه «البعثات العلمية فى عهد محمد على ثم فى عهدى عباس الأول وسعيد»، وكانت هذه البعثة على موعد مع حدث فى 4 يوليو، مثل هذا اليوم، 1828 يؤكد تفوق تلاميذها.
يذكر «طوسون» أن عدد تلاميذ البعثة الثالثة أول ما أرسلت كان 42 تلميذا ثم لحق بهم غيرهم، ويأتى بجدول أسمائهم، مشيرا إلى أنه بصرف النظر عن الثلاثة رؤساء وخمسة غائبين، فإن العدد موزع إلى أربعة أرمن مسيحيين وثلاثين مسلما منهم ثمانية عشر من مواليد مصر أحدهم عثمانى الأصل مولود فى القاهرة من أم مصرية، و16 من مواليد خارج مصر، منهم 12 عثمانيين أتوا إلى مصر يافعين.
اشتهرت هذه البعثة بوجود رفاعة الطهطاوى إماما لها، ثم أصبح أحد دارسيها، وكان المشرف عليها فى فرنسا هو «مسيو جومار»، ويثنى «طوسون» على دوره فى هذه البعثات، قائلا: فكر محمد على فى الشخص الذى يعهد إليه ببعوثه العلمية بها، فهداه حسن الحظ إلى مسيو جومار، فكان رئيس البعثات المصرية بفرنسا وغيرها، وكان من نوابغ الفرنسيين وأكبر مهندسيهم، وحضر مع نابليون إلى مصر فى حملته عام 1798 ضمن علماء الحملة، واشترك فى تأليف كتابها النفيس «وصف مصر».
تم توزيع التلاميذ على أحسن المدارس الداخلية فى باريس، وكثيرون منهم كانوا يدرسون بالمدارس الابتدائية الملكية، وبعد 18 شهرا وفى 28 فبراير وأول مارس 1828 تجمعوا فى مكان واحد لاختبارهم وامتحانهم امتحانا عاما فى وقت واحد لمعرفة تقدمهم، حسبما يذكر «جومار» فى تقريره عن هذه البعثة بالمجلة الآسيوية، وذكر فيه أمام كل دارس عمره والبلد الذى ولد فيه والفن الذى يدرسه.
ينقل «طوسون» من تقرير «جومار» بعد تعريبه، أن الامتحان حضره جمهور عظيم من ذوى المقامات كالقضاة وأساتذة جامعة باريس وأعضاء المجمع العلمى ورجال الجيش وكثيرون من أفاضل الأجانب، وكان الامتحان تحت رئاسة الكونت «دى شبرول» محافظ ولاية السين وعضو مجلس النواب، وأحد رجال العلم فى حملة نابليون بونابرت على مصر، ولأجل معرفة قوة هؤلاء التلاميذ النسبية عقد الامتحان فى موضوع واحد لكل فرع يؤديه التلاميذ مجتمعين فى وقت معين، وهذه الطريقة مع الامتحان الشفهى تظهر معارفهم اللغوية وتبين بالدقة درجاتهم بالنسبة لبعضهم.
كان موضوع الامتحان فى اللغة الفرنسية هو الإنشاء والتحليل المنطقى والإعراب النحوى، أما امتحان الرياضة فكان فى مسائل من علم الحساب والجبر والهندسة، وفى النهاية امتحنوا فى الرسم امتحانا يسهل على التلاميذ الجدد تأديته، وأعطيت لهم ساعة فقط لامتحان اللغة وساعة وربع لامتحان الرياضة، وكان واضع الأسئلة هو «مسيو فرانكير» المدرس بكلية العلوم الرياضية، وعند نهاية الامتحان قدم كل تلميذ جملة أوراق يتضح منها حسن الخط وصحة الإملاء فى وقت واحد، وبعد ذلك أدوا الامتحان الشفهى الذى دام يومين، وفى النهاية وضعت الدرجات، وأعطيت المكافآت لأوائل الناجحين.
يذكر تقرير «جومار» كما نقل عنه عمر طوسون، أن النتائج أظهرت جليا أن المصريين الأصليين نجحوا بقدر ما نجح العثمانيون المتمصرون، ونال الجوائز من المصريين ثمانية من سبعة عشر، ومن العثمانيين ستة من سبعة عشر، وكان توزيع الجوائز على من نالوها فى 4 يوليو 1828 فى احتفال حضره شخصيات رفيعة فى مقدمتهم الجنرال الكونت بليار أحد أعضاء مجلس الأشراف الفرنسى، وكان قائدا فى الحملة الفرنسية على مصر.
خطب «جومار» فى هذا الاجتماع بوصفه مدير دروس التلاميذ المصريين، وأظهر فى كلمته للحاضرين مقاصد الحكومة المصرية، ولفت التلاميذ إلى المهمة التى بعثوا من أجلها، قائلا: «إنكم منتدبون لتجديد وطنكم الذى سيكون سببا فى تمدين الشرق بأسره، فيا له من نصيب ترقص له طربا القلوب التى تحب الفخر وتدين بالإخلاص للوطن».
وزع الجنرال «بليار» الجوائز وكانت من نصيب، مظهر أفندى وهو من أب عثمانى وأم مصرية، واسطفان أفندى وهو أرمينى مسيحى، وعلى هيبة وخليل محمود ونالوا الجائزة الأولى فى الإنشاء الفرنسى والإعراب، وحصل مظهر أفندى أيضا على جائزة عن الجبر والهندسة، وحصل محمود أفندى على جائزة الهندسة، وأحمد يوسف على جائزة الحساب، أما علم الرسم فنال جائزته أحمد العطار ومحمود أفندى وأحمد النجدلى، وأعطيت ست جوائز للتلاميذ الذين يلون هؤلاء فى النجاح وهم الشيخ رفاعة الطهطاوى، ومحمد بيومى، ومحمد شتان، ويوسف أفندى، وسليمان أفندى، ومحرمجى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة