عقدت المحكمة الشرعية، برئاسة الشيخ أحمد أبوخطوة، جلستها فى 1 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1904، لمواصلة نظر دعوى الشيخ عبدالخالق السادات ببطلان زواج ابنته صفية من الشيخ على يوسف صاحب ورئيس تحرير جريدة المؤيد، وصديق الخديو عباس الثانى، حسبما يذكر أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن».
يؤكد أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ»، أن هذه القضية أقامت مصر وأقعدتها، وقسمت الرأى العام والساسة، وأهل الرأى وعامة الناس، ذلك لأنها كانت صدمة عنيفة للناس فى الكثير من معتقداتهم القديمة عن الشرف والحسب والنسب.
يذكر «شفيق» أن «يوسف» و«صفية» عقدا قرانهما بمنزل محمد توفيق البكرى فى الخرنفش، ودون علم والد الزوجة الشيخ عبدالخالق السادات، وتولى الوكالة عن الزوجة الشيخ حسن السقا، ولما علم الشيخ السادات، رفع دعوى بالتفرقة بين الزوجين لعدم أهلية على يوسف لزوجته، وعقدت المحكمة جلستها فى 25 يوليو 1904 برئاسة الشيخ «أحمد أبوخطوة»، وقضت بالحيلولة بين الزوجين، وتوجهت صفية إلى منزل الشيخ عبدالقادر الرافعى رافضة تنفيذ الحكم، واقتراح الرافعى بوساطته عند والدها لإعادتها وضمان راحتها.
لم تكتف «صفية» برفض تنفيذ الحكم، وقامت برفع عريضة إلى قاضى قضاة مصر، ويذكر شفيق: «أرسلت صورة من العريضة إلى ناظر الحقانية تقول فيها: إنها لا يمكن أن تقبل تنفيذ حكم الحيلولة لبلوغها سن الرشد، ولأنها تزوجت من الشيخ على باختيارها وكفاءتها»، وفى 27 يوليو قرر «أبوخطوة» وقف سير الدعوى حتى تنفذ الحيلولة، وتعود صفية إلى بيت والدها، لكنها صممت على الرفض، وفى 28 يوليو تمت تسوية الأمر بحل وسط بتعديل قرار الحيلولة بضرورة إرسالها إلى والدها بإبقائها مع الحيلولة عند رجل مؤتمن هو الشيخ الرافعى.
بقيت ساحة المحكمة مجالا لمحاولات إثبات كل طرف فى القضية أنه على حق فى موقفه، وكان الطعن فى النسب والأصل والتحقير سلاحا متبادلا، منذ أول جلسة فى 1أغسطس 1904، ويذكر «شفيق» أن النزاع فيها قام على كفاءة المتداعين حتى يكون الزواج صحيحا، أو عدم كفاءة الشيخ على يوسف حتى يكون فاسدا، وقررت المحكمة تكليف الطرفين بأن يثبتا بالطريق الشرعى ما يدعيانه، وقال محامى الشيخ السادات: إن اسم موكله مقيد بدفاتر الاستحقاق فى أوقاف نقابة الأشراف سنة 1897، وتأجلت الجلسة إلى 6 أغسطس لسؤال على الببلاوى عن قيد الشيخ على يوسف بدفاتر الأشراف.
يعلق الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ» على ما جرى فى المحكمة من مرافعات فى القضية بدءا من هذا اليوم، قائلا: «كانت مناظرة هائلة بين نوعين من الناس، رجل «الشيخ عبدالخالق السادات» ورث عن آبائه مجدا ومالا، ورجل فقير «الشيخ على يوسف» ارتفع من غمار الناس، وصنع لنفسه مجدا وشرفا، وكان على «السادات» لكى يكسب القضية أن يثبت شيئين، الأول أن نسب على يوسف لا يوازى نسبه، والثانى أن الحرفة التى يعيش منها غير شريفة».
لجأ الطرفان إلى الشهود لإثبات صحة حجتهما، يذكر «بهاء»: «بدأت القضية باستجواب الشهود، وجاء محامى السادات بعشرات من عامة الناس شهودا، يسأل الواحد منهم أمام المحكمة: ما هو نسب السادات؟ فيرد الشاهد: هو فلان بن فلان، حتى يصل إلى محمد بن إدريس، الذى كان خليفة على بلاد المغرب منذ قرون، ثم إلى فاطمة الزهراء، ابنة النبى، ويسأله القاضى: ولماذا تحفظ هذا النسب الطويل، فيجيب: للتبرك به، ويسأله أخيرا: ما هو نسب على يوسف؟ يجيب: لا أعرف».
يضيف «بهاء»: «جاء محامى السادات أيضا بشهود آخرين من الموظفين الذين عملوا فى قرية «بلصفورة» مسقط رأس على يوسف فى سوهاج، يشهدون بأن أسرته هناك فقيرة، وأن أباه لم يكن يملك شيئا، ووصل الأمر بأن أحد الشهود قال: إنه أدرك أن على يوسف من أصل وضيع حين رآه يوما يقف فى إحدى المطابع، ويصحح ديوانا من الشعر من تأليفه، إذ لا يفعل ذلك إلا عديمو الأصل».
ذكر «بهاء»: «ترافع محامى السادات قائلا: إن نسب موكله يرجع إلى أكثر من ألف سنة، فى حين أن الشيخ على يوسف أعجمى، ليس له نسب معروف فى الإسلام إلا يوسف فقط، أى أبوه، ونشأ فى قرية حقيرة جدا تدعى «بلصفورة» كل أهلها أعاجم، ثم انتقل المحامى إلى حرفة على يوسف، فقارن بين موكله الذى يعيش على أملاك واسعة تركها له آباؤه الأماجد «وهذه ألفاظ المحامى»، وبين الشيخ على يوسف الذى يضطر إلى العمل لكسب رزقه، ويحترف مهنة حقيرة هى الصحافة، وأفتى المحامى بأن حرفة الصحافة فى ذاتها دنيئة ويحرمها الدين الإسلامى، لأنها تقوم على الجاسوسية والإشاعة وكشف الأسرار، وهذا منهى عليه شرعا.. وواصلت المحكمة جلساتها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة