فكر الملك فاروق فى إصدار فتوى من شيخ الأزهر، الإمام مصطفى المراغى، بأن يحرم على زوجته الملكة فريدة الزواج من آخر بعد طلاقها، حسبما تؤكد الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية فى مصر»، وتؤكد أن الملك ذهب إلى الإمام المراغى قبيل وفاته يوم 22 أغسطس، مثل هذا اليوم من عام 1945، وطلب منه هذا الفعل، لكن الشيخ رفض، كما «عارض أن يصدر ما يمنعها «فريدة» من رؤية بناتها، حيث لا يتفق هذا ولا ذاك مع الشريعة الإسلامية، فتعرض لتأنيب من الملك لذلك الموقف».
كان الشيخ المراغى يرقد رقدته الأخيرة فى مستشفى المواساة بالإسكندرية، ووفقا لما تذكره الكاتبة الصحفية سناء البيسى فى مقالها «الإمام مصطفى المراغى، كرامة الاستقالة، الأهرام، 9 نوفمبر 2011»: «ما أن نطق فاروق بطلبه حتى استوى المريض المتهالك جالسا وسط الفراش غاضبا متعجبا، مجيبا: أما الطلاق يا مولاى فلا أرضاه، وأما التحريم فلا أملكه. إن المراغى لا يستطيع أن يحرم ما أحل الله».
بالرغم من أن هذا الموقف يحسب للمراغى فى علاقته مع الملك فاروق، فإن هناك من يرى الرجل من أعمدة الوجود البريطانى، وجعل من الأزهر وعلمائه وطلبته قوة ضاربة للقصر، وخرج بفتوى على المسلمين تقول إن الله يرسل كل مائة عام على رأس الأمة الإسلامية مصلحا يجدد حياتها ودينها ويوحد صفوفها، وأن فاروق هو من اختاره الله وبعثه بهذه الرسالة للمائة عام المقبلة، كانت أولى الدلالات على ذلك اسمه فهو فاروق بين الخير والشر وبين الظلام والنور، حسبما يذكر الكاتب المفكر محمد عودة فى كتابه «فاروق بداية ونهاية»، ويتبنى الدكتور حسين مؤنس نفس الرأى، قائلا: «كان المراغى يؤيد الملك ويزين له الشر ويناديه باسم أمير المؤمنين»، وينسحب كلام «عودة» و«مؤنس» على فترتى «المراغى» كشيخ للأزهر، الأولى كانت فى سبتمبر عام 1928 أثناء حكم فؤاد واستقال بعدها بعام واحد، والثانية فى عام 1935 أى قبل وفاة «فؤاد» بنحو عام، واستمرت حتى وفاته فى عام 1945، أى 10 سنوات، منها 9 سنوات مع الملك فاروق.
لكن الكاتب والناقد رجاء النقاش يرفض بشدة رأى «عودة» و«مؤنس» مؤكدا فى كتابه «الإمام المراغى.. حياته وأفكاره»، أن «الاتهامات للمراغى، تعتمد على الشائعات والصراعات الحزبية التى كانت سائدة فى مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952»، ويؤكد النقاش: «المراغى كان مصلحا كبيرا ومفكرا دينيا حرا جريئا، ويحمل مشروعا كاملا لتطوير التعليم الدينى فى مصر والنهوض به، وتحرير العقل المصرى من الجمود والتقريب بين الشريعة الإسلامية واحتياجات العصر وهموم الناس الجديدة، التى لم تكن مألوفة عند الأجيال السابقة من المسلمين، وقد لجأ إلى الاعتدال والمهادنة أحيانا من أجل تحقيق مشروعه، ولكنه لم يرتكب خطأ جوهريا واحدا فى مسيرته الإصلاحية والعلمية والأخلاقية».
يؤكد «النقاش» أن المراغى أخد مشروعه الكبير الضخم عن أستاذه محمد عبده، ويذكر ما قاله المراغى عن أستاذه ونبهه فيه إلى أهمية العلم: «داعبنى مرة إثر خروجى من الشهادة العالمية قائلا: هل تعرف تعريف العلم؟ فقلت له: نعم، وكنت أحفظ آنذاك تعاريف العلم، فسردت بعضها، فقال: اسمع منى تعريفا مفيدا، العلم هو ما ينفعك وينفع الناس، ثم سأل: هل انتفع الناس بعلمك؟ قلت لا، لا.. قال: إذن أنت لست بعالم، فانفع الناس بعلمك لتكون عالما».
ويذكر الشيخ عبدالمتعال الصعيدى فى كتابه «تاريخ الإصلاح فى الأزهر.. صفحات من الجهاد فى الإصلاح»، أن الفترة الأولى التى تولى فيها «المراغى» المشيخة، أعلنها كلمة صريحة أنه يريد فى الأزهر إصلاحا يقضى على كل أثر فيه للجمود، ويفتح باب الاجتهاد فى الدين والعلم، ويصير به إلى حياة جديدة تناسب هذا العصر، فقامت عليه قيامة أنصار الجمود فى الأزهر على قلتهم، وكانوا فى ذلك الصراع أعلى كلمة وأقوى دليلا، وكان من سوء حظ الأزهر أن ولى الأمر «فؤاد» لم يكن راضيا عن تولى الشيخ المراغى منصب شيخ الأزهر، فوقف تنفيذ ذلك الإصلاح، وأبدى فيه رأيا حمل المراغى إلى الاستقالة، فتولى بعده الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى، الذى قامت ثورة ضده لفصله 70 عالما من وظائفهم، فاستقال وعاد المراغى، لكنه يئس فى هذه المرة من إصلاح الأزهر، فآثر مسالمة أهله، وأراح نفسه من مخاصمتهم فيما لا رجاء له فيه».
ويضيف الصعيدى: «توالت عليه فتن أهل الأزهر، ثم ابتلى بخصومات سياسية أفسدت عليه كثيرا منهم، وكادت تطيح بمنصبه وتقصيه عنهم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة