إن حق القول فإن نجيب محفوظ هو أكثر الأدباء العرب هما بالوطن، فنسج المجتمع المصرى في رواياته ومن ثم تحولت الروايات لأفلام، فظهر النسيج الاجتماعي للشخصية المصرية منصهره في شوارع القاهرة لتجسد الملامح أيقونة مصر أمام العالم، يعد أدب نجيب محفوظ حى باق، حتى وإن لحقت التغيرات التكنولجية بالمجتمع فغيرت مفهوم الحارة والعاطفة والزقاق، إلا أن التاريخ الأدبى والثقافى لشوارع القاهرة مازال محتفظا بالمصطلحات التوثيقية لعبقرية المكان
نجيب محفوظ والسينما
يعتبر نجيب محفوظ صاحب أكبر عدد لروايات تحولت للسينما، فقد بدأت أعماله الروائية تتجه للسينما منذ عام 1960 مع رواية بداية ونهاية، ثم توالى الإقبال السينمائي على أعماله فتم تحويل ثلاثيته الروائية "بين القصرين وقصر الشوق والسكرية" إلى أفلام سينمائية حملت عناوين الروايات نفسها، بالإضافة إلى رواية "اللص والكلاب" و"ميرامار" و"السمان والخريف" و"الطريق" و"القاهرة 30″ و"الشيطان يعظ" و"الشحاذ" و"الكرنك" و"الحب فوق هضبة الهرم" و"زقاق المدق" الذي أنتج سينمائيا مرتين، الأولى في مصر بطولة شادية عام 1963، والثانية في المكسيك بطولة سلمى حايك في عام 1995، فضلًا عن سلسلة طويلة من الأفلام المقتبسة عن ملحمة "الحرافيش" التي جسدت زمن الفتوات ومنها؛ "الحرافيش" و"الجوع" و"المطارد" و"التوت والنبوت". ولا تزال أعماله مصدرًا لا يجف إذ يقتبس عنه كتاب السيناريو المعاصرين.
واقعية الرواية وواقعية السيناريو الحوار
عرف نجيب محفوظ بأنه رائد الرواية الواقعية، يضع نجيب محفوظ اسمه بشكل بارز بين كتاب الأدب والسينما الواقعية الاجتماعية ، على الرغم من وجود عمالقة في فن كتابة الرواية الواقعية التي تحولت لأفلام ولكن محفوظ حافظ على مدرسته الواقعية فأصبح رائد الرواية الواقعية ومن ثم السينما، وإن كان يحيى حقي أحد علاماتها البارزة في السينما مثلما في الأدب، فقد قدم روايتين للسينما كانتا تجسيدًا لواقع المجتمع الشعبي حينها هما؛ قنديل أم هاشم والبوسطجي. كما قدم يوسف إدريس رواية من بين أقوى روايات هذا التصنيف للمجتمع الريفي في فيلم "الحرام"، بالإضافة إلى إحسان عبد القدوس الذي قدم عدة روايات اقتبستها السينما للتعبير عن واقع الطبقة الوسطى القاهرية آنذاك، وهي "لا تطفئ الشمس" و"أنا حرة" و"لا أنام"، كما قدمت لطيفة الزيات بفيلم "الباب المفتوح".
نظرة المجتمع لسينما نجيب محفوظ في بداية إنتاج أفلام رواياته
عرف نجيب محفوظ طريقه إلى الشاشة البيضاء قبل أن تفطن السينما إلى رواياته المدهشة فتقدم على إنتاجها وإخراجها، فهل أنصفت السينما أدب نجيب محفوظ، أم أنها أظهرته بصورة لا تليق جعلت العامة ترى صاحب نوبل 1988 مجرد كاتب متواضع يروج للرذيلة والعنف.
رائد الواقعية لم يعمل بالسينما قط طوال العهد الملكي الذي انقضى وزال مع ثورة 23 يوليو 1952، غضافة على رفضه كتابة الحوار لرواياته وهذه خصال حرص محفوظ أشد الحرص على تأكيدها في مجمل أعماله.
السيناريست نجيب محفوظ
في 23 فبراير 1953 تم عرض فيلم (ريا وسكينة) الذي أخذت قصته عن تحقيق صحفي للأستاذ لطفي عثمان المحرر بالأهرام كما جاء في مقدمة الفيلم، أما السيناريو فكتبه نجيب محفوظ ومخرج الفيلم صلاح أبوسيف الذي يرتبط بعلاقة صداقة مع محفوظ، واعتبر هذا الفيلم باكورة علاقة محفوظ بالسينما.
لاحظ أن نجيب في ذلك الوقت كان قد أصدر مجموعة مدهشة من رواياته مثل القاهرة الجديدة وخان الخليلي وبداية ونهاية وزقاق المدق والسراب، ناهيك عن رواياته التاريخية الأولى (كفاح طيبة/ عبث الأقدار/ رادوبيس)، ومع ذلك لم تتجرأ السينما على التعامل مع رواياته مباشرة إلا بعد سبع سنوات كاملة من دخوله عالم الفن السابع!
بعد عام واحد تقريبًا، وفي 5 مارس 1954 عرض فيلم (الوحش)، وهو الفيلم الثاني الذي كتب له السيناريو نجيب محفوظ مع مخرجه صلاح أبوسيف، وفي المرتين كان اسم نجيب يكتب قبل صلاح، وكانت أسماؤهما تأتي بعد أسماء نجوم الفيلم وممثليه خالية من أي تفخيم أو إكبار!
أما في 18 أكتوبر 1954 فقد شاهد الجمهور فيلم (جعلوني مجرمًا) للمرة الأولى، وشارك نجيب محفوظ في كتابة سيناريو هذا الفيلم كل من السيد بدير ومخرج الفيلم عاطف سالم، وسبق اسم محفوظ الاثنين الآخرين! وبعد أقل من شهر، وفي 8 نوفمبر 1954 عرض فيلم (فتوات الحسينية) وهو أول فيلم يكتب قصته للسينما محفوظ نفسه، فضلاً عن السيناريو، بمشاركة مخرج الفيلم نيازي مصطفى، ولعله أول أفلام الرجل عن أجواء الفتونة ومخاطرها، حيث أنه أثرى المكتبة العربية بعد ذلك بروايات آسرة تكشف عالم الحارات وصراع الفتوات مثل (أولاد حارتنا) و(الحرافيش).
يعد فيلم (درب المهابيل) أول فيلم يكتب فيه اسم نجيب محفوظ قبل أسماء نجوم الفيلم، إذ تظهر المقدمة هكذا (أفلام النجاح محمد فرج وشركاه تقدم درب المهابيل قصة نجيب محفوظ)، ثم تتوالى أسماء نجوم الفيلم، يعقبها كاتبا السيناريو محفوظ وتوفيق صالح مخرج الفيلم.
وعرض هذا الفيلم في 25 يوليو 1955، الأمر الذي يشير إلى أن صاحب الثلاثية قد أدركته حرفة السينما، وحقق فيها نجاحًا ملحوظاً، وقد سمعته غير مرة يقول ضاحكاً إن فترة عمله بالسينما كانت من أكثر الفترات التي تيسرت فيها أحواله المالية! (أفتح هذا القوس لأذكرك بما قاله فريد شوقي منتج فيلم جعلوني مجرمًا بأنه قد تعاقد مع محفوظ على 100 جنيه نظير كتابته لسيناريو هذا الفيلم).
لكن مع فيلم (النمرود) – عرض في 7 مايو 1956 - تراجعت مكانة نجيب محفوظ بشكل واضح،فبعد أن كتبَ اسمه بمفرده على الشاشة، وفي البداية وقبل النجوم، في فيلم (درب المهابيل)، وضعَ اسمه على الشاشة ضمن خمسة أسماء في فيلم (النمرود)، ترأسها فريد شوقي بوصفه مؤلف القصة، ثم نجيب محفوظ ببنط أصغر، يليه محمود صبح والسيد بدير بوصفهما كتاب السيناريو، وفي الأخير السيد بدير كاتب الحوار! ثم ازداد الأمر سوءًا مع فيلم (الفتوة) الذي عرض في 29 أبريل 1957، إذ تراجع اسمه على الشاشة بصورة ملحوظة، فقد كان ترتيبه الخامس من ستة أسماء كالتالي : قصة محمود صبحي وفريد شوقي/ سيناريو محمود صبحي/ السيد بدير/ نجيب محفوظ/ صلاح أبو سيف، وهو أمر ليس له تفسير سوى أن الرجل لم يكن منشغلاً بحجم اسمه وكيف يكتب وأين يوضع؟.
اسم محفوظ يزداد بريقا على الشاشة
أما في فيلم (مجرم في إجازة) فقد ارتفع اسم محفوظ قليلاً، حيث جاء في الترتيب الثاني على الشاشة، بعد كاتب القصة كامل التلمساني الذي اشترك أيضاً في كتابة السيناريو.
وعرض الفيلم الذي أخرجه صلاح أبو سيف في 10 مارس 1958. وفي خطوة جريئة كتب محفوظ للسينما قصة (ساحر النساء) ولم يشارك في كتابة سيناريو هذا الفيلم الذي أخرجه فطين عبد الوهاب، واستقبله جمهور الشاشة البيضاء للمرة الأولى في 21 أبريل 1958، وقد استعاد محفوظ مجده، حيث تصدر اسمه بالبنط العريض قائمة من ثلاثة أسماء آخرين كتبوا بخط أصغر!.
المدهش أن نجيب محفوظ لم يجد أية غضاضة في كتابة سيناريو رواية (الطريق المسدود) لإحسان عبد القدوس، وهكذا عرض الفيلم الذي أخرجه صلاح أبو سيف في 22 أبريل 1958، ليحقق نجاحًا كبيرًا آنذاك. وفي 20 أكتوبر 1958 عاد اسم نجيب محفوظ ليكون أول اثنين كتبا سيناريو فيلم (الهاربة) مع مخرجه حسن رمزي، أما فيلم (جميلة) ليوسف شاهين، فقد تصدر اسم محفوظ قائمة كتاب السيناريو وهم عبد الرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني ووجيه نجيب، في حين أن القصة كانت من نصيب يوسف السباعي. وقد عرض الفيلم في 9 ديسمبر 1958.
المثير أن نجيب كرر تجربة كتابة سيناريو بشكل منفرد لرواية أخرى لإحسان عبد القدوس، وهي (أنا حرة)، ويبدو أن العائد المالي لهذه المهنة كان مغريًا، ولا تنس أن نجيب محفوظ في ذلك الوقت كان موظفاً حكوميًا يتقاضى نحو 50 جنيهاً كما قال في أكثر من حديث. وقد عرض هذا الفيلم الذي أخرجه صلاح أبو سيف في 12 يناير 1959 .
مفارقات رواية أولاد حارتنا
رواية أولاد حارتنا التي نشرت مسلسلة في عام 1959 بالأهرام واتهم فيها نجيب محفوظ بأنه يتجاوز اللائق مع الأديان، أقول من المفارقات إن هذا العام شهد عرض فيلم (الله أكبر) الذي كتب له السيناريو نجيب محفوظ نفسه، وهو فيلم أخرجه إبراهيم السيد، ويتناول بذكاء كيف استطاع الدين الإسلامي الجديد أن ينتصر بالحب والرحمة والعدل على جبروت حاكم مستبد يعبد الأوثان ويسيطر على إحدى مناطق شبه الجزيرة العربية، ويفرض على أهلها ضرائب باهظة وعذابات مستمرة. أي أن الذين أدانوا (أولاد حارتنا) وقادوا السذج ليقذفوا مبنى جريدة الأهرام بالحجارة، لم ينتبهوا إلى الفيلم الذي كانت دور السينما قد بأت تعرضه في 23 مارس 1959، وكيف أن كاتب سيناريو هذا الفيلم رجل مترع قلبه بإيمان كبير!
في فيلم (احنا التلامذة) كتب اسم نجيب محفوظ على الشاشة بمفرده لأول مرة ببنط عريض وخط رقعة جميل بوصفه كاتب السيناريو، ويبدو أن مخرج الفيلم عاطف سالم قد أراد أن يحتفي بالرجل إثر الحملة التي تعرض لها بسبب روايته (أولاد حارتنا) التي كانت تنشر في ذلك العام، وقد حقق هذا الفيلم – عرض في 12 أكتوبر 1959 – نجاحًا لافتاً آنذاك.
الثرثرة فوق النيل وبين السماء والأرض
أظنك لاحظت العلاقة الوثيقة بين فيلم (بين السماء والأرض) الذي أخرجه صلاح أبو سيف وكتب قصته نجيب محفوظ خصيصًا للسينما، ولم يكتب له السيناريو، - عرض يوم 9 نوفمبر 1959 - وبين روايته الباذخة (ثرثرة فوق النيل/ صدرت 1966)، إذ أن الفكرة في كليهما تنهض على تواجد مجموعة من البشر في مكان واحد، وما يكتنف ذلك من صراعات ونقاشات تكشف طبيعة الإنسان وضعفه في اللحظات الحرجة.
عند هذا الحد توقف السيناريست نجيب محفوظ عن التعامل مع السينما، واكتفى بعد عام واحد فقط بأن تبتاع السينما رواياته، وتقدمها للجمهور دون أي تدخل منه.
ريا وسكينة
فتوات الحسينية
إحنا التلامذة
الاختيار
الوحش
بداية ونهاية
بحفاوة كبيرة يطل اسم نجيب على الشاشة قبل أي اسم آخر منفردًا ومكتوبًا بخط رقعة جميل ومشفوعًا بترجمة فرنسية، إذ ما إن تنطفئ الأنوار داخل قاعة العرض حتى تضاء الشاشة بهذه العبارة (دينار فيلم تقدم.. بداية ونهاية.. قصة نجيب محفوظ)، ثم تلا ذلك أسماء النجوم فريد شوقي في دور حسن، عمر الشريف في دور حسنين، كمال حسين في دور حسين/ أمينة رزق في دور الأم إلى آخره، أما السيناريو فكتبه صلاح عز الدين.
لكن هناك سؤال يستحق التفكير: لماذا تأخر صلاح أبو سيف في تحويل روايات صديقه إلى أفلام كل هذا الوقت؟ لقد صدرت (بداية ونهاية) في عام 1949، ولم تتسلل إلى شاشة السينما إلا بعد 11 سنة، فهل إدانة الرواية بشكل غير مباشر للعهد الملكي هي التي دفعت السينما إلى التغاضي عنها؟ أم أن صعود عبد الناصر ونجمه دفعا السينما إلى تقديم أفلام تدين العهد الذي سبقه؟ على أية حال في هذا الفيلم استطاع صلاح أبو سيف أن يستعيد أجواء القاهرة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي بكل رونقها وبؤسها، لكن ضرورات السينما أباحت المحظورات فاختزل المخرج وقائع وأحداثاً ذكرت في الرواية، وبدل مشاهد ونهايات. ومع ذلك يصح القول إن (بداية ونهاية) أقرب الأعمال السينمائية إلى الرواية الأصلية رغم العتامة التي تفرض ظلها على الفيلم من اللقطة الأولى حتى الأخيرة (بيع أثاث البيت حتى انتحار نفيسة) ورغم خفة ظل فريد شوقي وأستاذه في الغناء حامد مرسي، إلا أن القتامة تغلغلت واستقرت.
اللص والكلاب
المرة الأولى التي منح فيها نجيب محفوظ لقبًا مميزاً في عالم السينما كانت في مقدمة فيلم (اللص والكلاب)، حيث كتب اسمه بعد أسماء النجوم والممثلين هكذا (عن قصة الكاتب الكبير نجيب محفوظ)، وحسناً فعل مخرج الفيلم كمال الشيخ حين أضاف (عن قصة) لأنه أقدم على تغييرات كثيرة لم تكن موجودة في الأصل الروائي، ولأن عالم السينما له شروطه وقوانينه التي تختلف عن مناخات الرواية، الأمر الذي انتبه له المخرج المتميز.
اللافت للانتباه أن الفيلم عرض للمرة الأولى في 12 نوفمبر 1962، أي بعد صدور الرواية بعام واحد فقط، وبعد إجراءات التأميم التي اتخذها عبد الناصر قبل ذلك بأكثر من عام، فهل وجد كمال الشيخ بغيته في هذه الرواية تحديدًا لأنها تناقش قضية الصراع التاريخي بين الأثرياء والفقراء، وهل من حق المحروم أن يسرق الثري؟ أم أنه أراد أن يفضح أولئك المثقفين الذين يغيرون جلودهم وفقاً لمصالحهم القريبة، وكم مرّ على مصر الكثير من هؤلاء، خاصة في فترات التحولات الكبيرة؟ وأنت تعلم أن الستينيات شهدت تحولات مدهشة على كافة الأصعدة. على أية حال حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، وأذكر أنني سألت كمال الشيخ في حوار أجريته معه في بيته بعمارة الأوموبيليا عام 1997 عن كيف يرى أفلامه بعد كل هذه السنوات، فذكر لي أنه يكن محبة خاصة لهذا الفيلم تحديدًا.
فيلم ريا وسكينة
فيلم بداية ونهاية
أفيش فيلم الكرنك
أفيش فيلم المذنبون
افيش فيلم السراب
افيش فيلم بين السماء والأرض
قصر الشوق
القاهرة 30
فيلم الاختيار
احنا التلامذة
فيلم الوحش
فتوات الحسينيه