سريعا مرت 15 عاما على رحيل شاعر الأرض محمود درويش، الشاعر الجماهيرى موفور الصيت، المؤثر بكلماته البارع فى بناء القصيدة، الذى فارق عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2008 فكان أحد أبرز الشعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين.
وعلى الرغم من مرور السنوات على رحيله إلا أنه حى باق بكلماته المفعمة بالأمل.. ولد درويش فى قرية البروة الواقعة في الجليل شرق ساحل عكا بفلسطين، فى 13 مارس عام 1941، وعند بلوغه السادسة من عمره تم تهجيره مع أسرته إثر الطرد من الأرض عام 1947.
لم يكن درويش مجرد شاعرا يملك موهبة كتابة وإلقاء الشعر، لكنه كان يحمل قضية كاملة لأمة مظلومة، تعرضت لمحنة طال وقتها، تخلى عنها الكثيرين، وشكك البعض فى وجودها أصلًا، لكن الله قيض لها أبناءها، يسجلون حالها ومعاناتها بالشعر والسرد، وكان محمود درويش أول الموهوبين الذين جعلوا قضية فلسطين عالمية يعرفها القاصى والدانى.
لم يغب محمود درويش يومًا عن الساحة العربية، وطوال السنوات الماضية التى رحل فيها جسده كان شعره الذى هو روحه لا يزال قادرًا على صنع المقاومة، ومنح القضية قبلة الحياة الدائمة التى تحتاجها، ففى كل التظاهرات والانتفاضات الفلسطينية كان الشعر حاضرًا مثل بندقية لا تنفد ذخيرتها أبدًا.
من منا لم يفتن بقصائد درويش، أشعاره البديعة كلماته الرنانة، لازالت دواوين درويش تحتل أركان مكتبات المثقفين المصريين والعرب أجمعين، محمود درويش تمكن أن يخلد اسمه عبر كلماته ببراعة لافتة وأن يشعل فى وجدان قرائه ومستمعيه الحب والأمل والثورة فى آن واحد.
صارع المرض فكان له رأي فى الموت، بعد تعرضه لعمليات خطرة فى القلب، فهتف فى أحد ندواته بعد إجراء العملية قائلا (الموت لا يؤلم الميت.. الموت يؤلم أصدقاء الميت)، هكذا قال شاعر الأرض عندما حاورة ناصر عراق فى حضور الناقد الراحل فاروق عبد القادر، يقول عراق سألته عن تجربته مع المرض ورأيه في الموت، وهو الذي تعرض لعمليات خطره في القلب، فابتسم وهتف: "الموت لا يؤلم الميت.. الموت يؤلم أصدقاء الميت"
تمكن صاحب قضية الأرض والعصافير تموت فى الجليل من فن التعبير عن الحب عبر كلماته العذبة والمرأة والخمر والدين، فلم يكن محمود درويش يتاجر بالقضية الفلسطينية كما اتهمه البعض أو يتكسب منها، كانت هاجسه المفزع، ورغبة شعره الحقيقية، لذا كانت تخرج كتاباته صادقة مشغولة بالتفاصيل الإنسانية الدقيقة التى تمنح القصيدة القدرة على الاستمرار.
تحولت القضية على يد محمود درويش إلى قضية إنسانية كبرى، وأصبحت إحدى مآسى العصر الحديث، وأصبح المنخرطون فيها والمدافعون عنها جزءًا من ملحمة عالمية عن العدل والحق.
فى التاسع من أغسطس سنة 2008، رحل الشاعر الكبير محمود درويش مكتملا، وحط عن كتفيه وطنه، يعد محمود درويش هو واحد من أفضل وأهم الشعراء العرب والذي يحمل الجنسية الفلسطينية، وقد ساهم هذا الرجل بشكل كبير في تطوير وتقدم الشعر العربي من خلال الإسهامات التي قام بها والشعر الذي ألفه، وقد ارتبط اسمه بالثورة والوطن نظرا لوجود عدد كبير من أبياته الشعرية التي تنم عن الوطنية وحبه وتقديره للوطن بشكل كبير، وفي هذا الموضوع أتحدث عن المزيد من التفاصيل حول هذا الشاعر الفلسطيني من حيث نشأته وحياته وإنجازاته التي قام بها وغيرها من المعلومات التي تود معرفتها عن محمود درويش.
قدم درويش الكثير للشعر العربي وساهم في تطويره من خلال القصائد والأبيات التي ألفها في عدة مجالات أهمها أبيات الثورة والمقاومة ولذا تم تلقيبه بشاعر الجرح الفلسطيني نظرا للمسته الإبداعية وحسه الوطني العالي.
الرحالة محمود درويش
خلال فترة شبابه انتقل محمود درويش لبعض الدول التي تلقى منها العلم، حيث ذهب في البداية إلى موسكو للدراسة ثم سافر إلى القاهرة في مصر ثم بعد ذلك سافر إلى بيروت ومنها لتونس ثم باريس، وفي النهاية انتقل محمود الشاعر الفلسطيني إلى مدينة عمان في الأردن ومدينة رام الله في فلسطين.
تلك أبرز التنقلات ورحلات السفر التي خاضها الشاعر الأدبي الكبير محمود درويش، ولذا انتقل كثيرا في حياته وتلقى العلم من ثقافات متعددة ودول مختلف وهو ما ساهم في توسيع ثقافته وإدراكه بالعالم من حوله وأثر بشكل كبير على أدائه في الشعر العربي.
مشواره المهنى
كتب محمود درويش العديد من دواوين الشعر وألف عددا لا بأس به من الكتب القيمة التي كانت بمثابة مصدر جيد للأدب العربي، حيث كتب أكثر من 30 ديوان من الشعر و8 كتب ولذا كانت إسهاماته في الأدب العربي عديدة ومتميزة، تميز شعر محمود درويش بحب الوطن والحنين والحب، وقد كانت هذه اللمسة مميزة جدا وتصل مباشرة للقلب، لذا لقبوه بشاعر الأرض
الحياة السياسية لمحمود درويش
بعد أن أنهى محمود درويش دراسته في المرحلة الثانوية انضم للحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل في مجال الصحافة والترجمة، وخلال حياته وكفاحه في القضية الفلسطينية تم اعتقاله مرات عديدة بسبب تصريحاته التي كانت تعادي الصهيونية وآرائه حول الاحتلال الإسرائيلي، فقد تم اعتقاله بالتحديد في خمس مرات مختلفة وذلك في أعوام 61 و 65 و 66 و 67 و 69 ثم بعد ذلك تم فرض الإقامة الجبرية عليه حتى عام 1970م .
وصف محمود درويش هذه الفترة من حياته بأنها من أصعب الفترات التي مر بها، حيث كانت حريته مقيدة تماما وكان ممنوع من الخروج من قريته لمدة 10 سنوات كاملة تعرض فيها للاعتقالات والتساؤلات المتعددة.
قصة حب درويش وريتا
الحب دائما مصد إلهام ليس للشعراء فحسب، بل للمبدعين أجمع ، وتعد قصة حب محمود درويش لريتا الإسرائيلية غريبة بعض الشيء، إذ أثرت بشكل كبير للغاية في حياته كشاعر.
كتب محمود قصائد شعرية عن ريتا وظل هذا الأمر غامضا لسنوات طويلة، حيث لم يكن يعلم أحدعن تلك الفتاة اليهودية التي عشقها من قلبه، ثم كشف عن هذا السر بعد ذلك من خلال حوار صحفي مع مذيعة فرنسية ألحت كثيرا عليه لكي تعلم حقيقة ريتا، فيما قد خلفت عليه هذه القصة ألم كبير ومعاناة ليست بسيطة وذلك بسبب الفراق بينهما من خلال قرار جاء من ريتا بالتحاقها بالجيش الإسرائيلي في سلاح الطيران، جاء هذا القرار صعبا بشكل كبير على قلب محمود درويش الذي عاش سنوات فى حب هذه الفتاة وذكرها في العديد من الأبيات الشعرية فقد كتب قصيدة ريتا والبندقية وكذلك قصيدة شتاء ريتا الطويل وقد كانت هذه القصائد مؤثرة بشكل كبير وتنم عن ألم بالغ قد شعر به درويش بعد اختيارها لسلاح الطيران والتجنيد في الجيش الإسرائيلي.
ظلت الصحافة لسنوات طويلة تبحث عن الهوية الحقيقية لاسم ريتا الذي كان يردده كثيرا في قصائده، ولم يستطيعوا التعرف على هذا السر إلا بعد سنوات طويلة ومن خلال إفصاح الشاعر نفسه مع المذيعة الفرنسية التي أصرت وألحت عليه لكي تعرف الهوية الحقيقية لشخصية ريتا، وكشف هوية ريتا فيلم وثائقي للمخرجة ابتسام فراعنة التي عرضت فيلم مميز جدا يحمل اسم سجل أنا عربي، وقد تم عرض هذا الفيلم في مهرجان تل أبيب.
المخرجة ابتسام فراعنة التقت بريتا في مدينة برلين في ألمانيا ، وكشفت عن اسمها الحقيقي وهو تامار، وكانت هذه الفتاة تعمل راقصة في الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان محمود درويش عضوا فيه، قبل أن تلحق بسلاح الطيران الإسرائيلي.
أثرت هذه التجربة الناقصة التى وصفها درويش بغير المكتمله بشكل كبير فزادت علاقاته النسائية، وبعد ذلك تزوج مرتين، ولكن للأسف كانت كل هذه المحاولات فاشلة فى الاستقرار بسبب تأثره بحبه الأول الذي لم يستطع نسيانه بمرور الأيام والسنوات.
الزوجة الأولى لدرويش كانت ابنة أخ الشاعر الكبير نزار قباني وهي رنا صباح قباني، حيث تزوجها في عام 1977 ولكن للأسف بعد 3 سنوات انفصلا وانتهت علاقتهما ببعضهما البعض.
في منتصف الثمانينات تزوج محمود درويش مرة أخرى من امرأة مصرية ، ولكن انفصلا بعد سنة واحدة من الزواج، لكي يقرر محمود درويش بعد ذلك بأنه لن يتزوج، وبالفعل لم يتزوج بعد هذه التجربة الأخيرة مع المترجمة المصرية.
الحياة العملية لدرويش
عمل محمود درويش في منظمة التحرير الفلسطينية لفترة من الوقت وقدم فيها عطاء لا بأس به، ولكنه استقال بعد ذلك بسبب اتفاق أوسلو الذي تم في عام 1981.
رحلة درويش في باريس كانت من فتراته المميزة والتي ألهمته بشكل كبير لكي يقدم العديد من الدواوين الشعرية الرائعة، حيث نظر للوطن من بعيد وفكر في الظروف المحيطة بالوطن العربي بشكل عام وبفلسطين بشكل خاص، وفي فترة حياة درويش في عمان قدم الكثير من الدواوين المميزة والتي كانت دواوين وطنية رائعة جدا.
قدم محمود درويش الكثير من القصائد والدواوين، وكان أولها في المرحلة الابتدائية، حيث قدم قصائد وطنية في هذا السن تنم عن حبه لفلسطين وإيمانه بهذه القضية وقد مال في هذه الفترة للشعر الرومانسي متأثرا ببعض الشعراء مثل الشاعر الكبير نزار قباني.
بعد ذلك انتقل من الطابع الرومانسي إلى الطابع القومي الثوري وذلك بالتحديد بعد سفره للقاهرة وباريس، وفي خلال هذه الفترة تطور شعر درويش بشكل كبير واستخدام العديد من الأساليب العربية والدلالات الشعرية الواضحة، بعد ذلك فقد درويش الأمل في القومية العربية وانفصل بشكل تدريجي عن الخطاب المباشر.
قدم درويش عددا كبيرا من القصائد المميزة التي لا نزال نقرأها إلى اليوم من بينها قصيدة أحن إلى خبز أمي وأيام الحب السبعة، إضافة إلى القصائد التي ألفها عن محبوبته الفتاة اليهودية التي تحدثنا عنها.
لم يقتصر العمل الأدبي الذي قدمه درويش على الشعر فقط بل قدم نصوص نثرية رائعة منها نص نثري بعنوان أثر الفراشة وغيرها، كما قام بتأليف 8 كتب مميزة في الأدب العربي.
درويش فى مصر
صدر عن محمود درويش العديد من الكتب المهمة، لعل من آخرها كان كتابا مميزا، صدر عن منشورات المتوسط -إيطاليا، للكاتب الصحفي سيّد محمود، حمل عنوان "محمود درويش في مصر .. المتن المجهول".
الكتاب يسعى إلى تقديم رواية مُتكاملة، عن ظروف حضور محمود درويش من موسكو إلى القاهرة عام 1971، وأسباب خروجه منها، مع الوعي بأهمِّية أن تَضع هذه الرواية في الاعتبار طبيعة التوقيت السياسي، الذي كان بالغ الدقة، فهو على الصعيد الإقليمي ارتبط بموضوع الصراع العربي الإسرائيلي، وما فرضه من خيارات أمام الفلسطينيين في الداخل والخارج بعد نكسة يونيو 1967.
وفي الجانب الأدبي، تُبرِزُ المقالات والوثائق التي تنشر للمرَّة الأولى، المرفقة بمتابعة عميقة وتحليل استقصائي، التحوُّلات المفصلية في نصوص درويش الشعرية، والتي صنعت القفزة الرئيسة في تجربته ولم تجعلها قفزة إلى المجهول.
ويمتاز الكتاب بكونه استقصائيا أدبيا يتضمّن نصوصًا ووثائق تُنشر للمرَّة الأولى، ويكشف تفاصيل الفترة التي قضاها محمود درويش في مصر بين عامي 1971 و1973 في القاهرة، ونشاطه الإبداعي والصحفي خلال توقيت سياسي بالغ الدقة إقليميًا وفي الداخل المصري، فحين وفد الشَّابُّ الثلاثينيُّ إلى مصر كان هناك مسرحٌ سياسيٌّ متكاملٌ، وخشبةٌ جاهزةٌ والكل في انتظار بطل يعتلي هذه الخشبة ويشغل المكان، لأن أصحاب المواهب الراسخة هدَّتهم الهزيمة.
درويش فى فرنسا
وقف درويش فى آخر أمسية أحياها بمدينة "إرل" الفرنسية ليعلن هجره السياسة ووصله الشعر، ناسيًا أن الأولى كانت لديه المادة الخام التى أطلق فى أوصالها سحر اللغة، وفتنة الصورة، وطرب الموسيقى؛ ليصنع شعرا غير مسبوق فى تاريخ العرب المعاصر، منح صاحبه وظيفة حياتية، ونحت له دورا ظاهرا، وأفسح لقدميه مكانا مريحا فى الزحام، حتى صار رمزا مكتمل الملامح لوطن عصىّ على الاقتلاع والفناء، وخريطة تزهو فى الذاكرة وتصل الماء بالماء مهما تآكلت حدودها وطمست معالمها.
درويش فى عيون الصحافة
ولم يُقدَّر لدرويش أن يقرأ ما كتبته عنه كبريات الصحف الأجنبية، فها هى «تيلجراف» تصفه بـ «شاعر المقاومة» و«إندبندنت» تعتبره «الأوديسا الفلسطينية» و«نيويورك تايمز" تقول إن «كلماته المؤلمة عن المنفى والشتات وأبياته العذبة عن الإنسانية جعلته رجل الأدب الفلسطينى، وواحدا من أكبر شعراء العرب المعاصرين".
الشاعر محمود درويش
الشاعر محمود درويش
الشاعر محمود درويش
المتن المجهول
أعمال الشاعر محمود درويش
أعمال الشاعر محمود درويش
أعمال الشاعر محمود درويش
أعمال الشاعر محمود درويش
أعمال الشاعر محمود درويش
أعمال الشاعر محمود درويش
أعمال الشاعر محمود درويش