سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 11 سبتمبر 1931.. عمر المختار أسيرا وقائد الاحتلال الإيطالى يصفه قائلا: «لا يملك شيئا من حطام الدنيا ولم يخن أبدا مبادئه»

الإثنين، 11 سبتمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 11 سبتمبر 1931.. عمر المختار أسيرا وقائد الاحتلال الإيطالى يصفه قائلا: «لا يملك شيئا من حطام الدنيا ولم يخن أبدا مبادئه» عمر المختار
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سرت شائعات بأن عمر المختار قائد المجاهدين فى ليبيا مات على أثر جرح أصابه فى القتال، وشائعة أخرى بموته مسموما من شخص أرسله الاحتلال الإيطالى، حسبما يذكر الجنرال «غرازيانى» الحاكم والقائد العسكرى الإيطالى لبرقة فى مذكراته «برقة الهادئة» ترجمة إبراهيم سالم بن عمر «دار مكتبة الأندلس - بنغازى - 1973».
 
يضيف «غرازيانى»: «مهما تكون هذه الشائعات سارية، فقد تحقق وجود عمر المختار بعد معركة وادى السانية فى أكتوبر 1930، حيث أصيب جواده وكاد يقع أسيرا فى يدينا، والدليل على ذلك أنه وجدت على أرض المعركة بعد انتهائها نظارته ذات الأجنحة الذهبية وجواؤها الفضى، واقتنعت أنه على قيد الحياة، وأنه الأسطورة التى لا تنظر ولا تقهر ولا تضبط، ولكن اقتنع هو كذلك أن الحرب أصبحت حقيقة لأنه عزل عن كل شىء، لم تعد هناك إمدادات، ولا تمويل، والآن تحصلنا على النظارة، وسيأتى اليوم الذى نتحصل فيه عليه، وقد وضعنا منذ السنة الماضية - 1929 - مبلغ مائتى ألف فرنك مكافأة لمن يأتى به حيا أو ميتا».
 
كان «غرازيانى» منذ مارس 1930 حاكما وقائدا عسكريا للاحتلال الإيطالى فى برقة، وذلك ضمن عموم احتلال إيطاليا لليبيا الذى بدأ رسميا فى أكتوبر 1912، فحسب نقولا زيادة فى الجزء العاشر من كتابه «ليبيا من الاستعمار الإيطالى إلى الاستقلال»: «فى أكتوبر 1912 أصدر ملك إيطاليا منشورا لأهل ليبيا يذكرهم فيه أن بلادهم خاضعة خضوعا تاما للسيادة الملكية الإيطالية»، وتم تكليف غرازيانى بمنصبه بعد فشل إخماد الكفاح المسلح الذى يقوده عمر المختار منذ عام 1923 والمولود فى البطنان، برقة، الجبل الأخضر، عام 1862، وكانت برقة وتحديدا الجبل الأخضر مركز جهاده.
 
يصفه «غرازيانى» قائلا: «معتدل الجسم، عريض المنكبين، شعر رأسه ولحيته وشواربه بيضاء ناصعة، يتمتع بذكاء حاضر وحاد، مثقف ثقافة علمية ودينية، له طبع حاد، مندفع يتمتع بنزاهة خارقة، لم يحسب للمادة أى حساب، متصلب ومتعصب لدينه، وكان قصيرا، لا يملك شيئا من حطام الدنيا إلا حبه لدينه ووطنه، رغم أنه وصل إلى أعلى الدرجات».
 
يضيف «غرازيانى»: «كان من المجاهدين الكبار لمكانته المقدسة بين أتباعه ومحبيه، يختلف عن الآخرين فهو شيخ متدين بدون شك، قاس وشديد، متعصب للدين، ورحيم عند المقدرة، ذنبه الوحيد أنه يكرهنا كثيرا، وفى بعض الأوقات يسلط علينا لسانه، ويعاملنا بغلظة مثل الجبليين، كان دائما مضاد لنا ولسياستنا فى كل الأحوال، لا يلين أبدا، ولا يهادن إلا إذا كان الموضوع فى صالح الوطن الليبى، ولم يخن أبدا مبادئه فهو دائما موضع الاحترام رغم التصرفات التى تحدث منه فى غير صالحنا، كان حريصا على عقيدته، يواجه كل من يتعرض لها بسوء، يكره الدخلاء ويحارب كل من يعتدى على وطنه، ولا يقبل أى تدخل من أى أجنبى فى قضية وطنه، يكره الأتراك لأنه يعتبرهم دخلاء وأجانب عن وطنه».  
 
هذه السمات الشخصية لعمر المختار توضح لماذا كان مجاهدا استثنائيا، وثق فيه شعبه فأعطاه كل شىء يعينه على مهمته، يذكر «زيادة»: «مع أن الذين حملوا السلاح جماعات صغيرة فإن كل برقاوى وبرقاوية كان مجاهدا فى تلك السنوات»، يضيف: «فى هذا القتال المرير انصرفت المشاجرات والخلافات والحزازات القبلية التى تسيطر فى حياة البدو عادة، فلم يستطع الإيطاليون أن يجدوا ثغرة ينفذون منها إلى العرب ليفرقوا بين الصفوف».
 
توحش «غرازيانى» من أجل إخماد الكفاح المسلح، وحسب نقولا زيادة: «أقفل غرازيانى الزوايا السنوسية، وصادر أملاكها، ونفى شيوخها، وعطل مرافق الحياة فيها، وأقام معسكرات الاعتقال، حيث أقصى 80 ألف من البدو رجالا ونساء وأطفالا إلى برقة البيضاء، ومنطقة سرت وهى أشد أجزاء برقة الغربية قحولة، وأرسل معهم 600 ألف رأس من الماشية فى صيف 1930، وانتشرت الأوبئة بين السكان، فزهقت أرواح الآلاف، وهلكت المواشى بسبب الحر وقلة الماء، وأراد أن يقطع المؤن والمساعدات من مصر، فأقام حاجزا من الأسلاك الشائكة بين القطرين طوله نحو 300 كم». 
 
تحققت أمنية «غرازيانى» صباح 11 سبتمبر- مثل هذا اليوم - 1931، وفيه تلقت حكومة الاحتلال الإيطالى برقية من متصرفية الجبل الأخضر، نصها: «بالقرب من سلنطة، فرقة فرسان الصوارى، قبضت على وطنى وقع من على جواده أثناء المعركة، وتعرف عليه عساكرنا بأنه عمر المختار، ونظرا للخبر المهم من أجل التأكد والتحقق، أمرت الحكومة متصرف الجبل الوجيه داود باتش، فجهز طائرة خاصة لنقله إلى سلنطة، للتعرف على شخصية الأسير، وتثبيت هويته، إن كان هو رئيس الثوار عمر المختار أم لا، لأنه التقى به فى مفاوضات سابقة».
 
بعد التأكد أن الأسير هو عمر المختار سرى الخبر سريان البرق، بوصف «غرازيانى»، وصدرت الأوامر بنقله إلى «سوسة» ومنها إلى بنغازى عبر الطراد الحربى. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة