إذا كنت قد مهتما بعلم الصحة العقلية، فلا بد أنك سمعت النظرية القائلة بأن الاكتئاب سببه خلل في التوازن الكيميائي في الدماغ فمنذ التسعينيات، قيل إن الأعراض الشائعة انخفاض الحالة المزاجية، وفقدان الاهتمام والمتعة، وتغير النوم والشهية تنشأ من نقص ناقل عصبي يسمى السيروتونين ومن خلال رفع مستويات "هرمون السعادة"، يمكن لبعض الحبوب المضادة للاكتئاب أن تخفف من عذابنا الداخلي وتعيد عقولنا إلى الاتزان.
غير أن الحقيقة، كما كانت دائما، أكثر تعقيدا ففي العام الماضي، فقد خلصت مراجعة مؤثرة للبيانات المتاحة إلى عدم وجود دليل واضح يدعم النظرية، وتركت العناوين الرئيسية التي تلت ذلك الكثير من الحيرة بشأن من أو ماذا يصدقون.
ومن هنا تأتى أهمية كتاب "اختراق الاكتئاب"، لفيليب ويليام جولد، أحد كبار الباحثين في المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية الذي قضى حياته في التحقيق في المرض حيث أجرى جولد بعضًا من التجارب على مضادات الاكتئاب الأولى، وهو مستمر في العمل بأحدث التقنيات حتى اليوم.
تُقرأ العديد من أقسام كتاب "اختراق الاكتئاب" وكأنها مذكرات طبية، حيث يرفض جولد الفكرة الشائعة القائلة بأن الاكتئاب هو حزن طبي، مشيرًا إلى أن "الحزن الحقيقي غالبًا ما يرتبط بذكريات عزيزة ومحبة، على سبيل المثال، فقدان أحد أفراد أسرته، بالإضافة إلى الحزن على خسارته، وفي بعض الأحيان، شعور حلو ومر يحيط به". خيرات الحياة والواقع القاسي بأن كل العلاقات يجب أن تنتهي. ويقول إن مثل هذه المشاعر غير متاحة عادة للأفراد الذين يعانون من الاكتئاب الشديد، والذين تقتصر ذخيرتهم العاطفية على "سلسلة مميتة من انتقاد الذات واليأس".
غالبًا ما تكون هذه الحالة مصحوبة بتغيرات فسيولوجية، مما دفع جولد إلى تسميتها "مرض الجسم بالكامل" مشيرا إلى أنه يرتبط بمرض الشريان التاجي المبكر، والسكري، والسكتة الدماغية، وهشاشة العظام وهو عبء غير معترف به بالنسبة لواحد من كل خمسة أشخاص يصاب بالاكتئاب وفي المتوسط، ينقص الاكتئاب حوالي 10 سنوات من متوسط العمر المتوقع لشخص ما ويخلص جولد إلى أنه "سرطان الذات" الذي "يقوض كرامتنا واحترامنا لأنفسنا بينما يؤدي إلى تآكل أجسادنا".
يرى جولد أن العديد من حالات الاكتئاب تنجم عن "الاستجابة للضغط النفسي التي انحرفت عن مسارها"، فعندما يواجه شخص سليم موقفاً خطيراً "حريق غابة على سبيل المثال" فمن المنطقي التركيز على التهديد ذاته، وكيفية التعامل مع الخطر المباشر إلى أن تجد الأمان حيث يبدأ الدماغ في إعداد الجسم للعمل، والذي يتضمن زيادة الالتهاب وتجلط الدم لتقليل خطر العدوى والنزيف بعد الإصابة.
ومع ذلك، بالنسبة للعديد من الأشخاص المصابين بالاكتئاب، تستمر أجراس الإنذار في الدماغ في الرنين لفترة طويلة بعد مرور تهديد حقيقي، ويستمر في البحث عن علامات الخطر أو العداء المحتملة بينما يتجاهل الأشياء التي قد تجلب له المكافأة، وكما كتب جولد: "إن الحفاظ على تركيز فردي عندما تكون هناك حرائق غابات مشتعلة في مكان قريب هو أمر واحد، ولكن في الحياة الطبيعية فإن عدم القدرة على تقدير أي حافز ممتع يشكل عبئا كبيرا".
وينتج عن هذا الفزع العميق وانعدام المتعة والحافز الذي يميز المرض، ويعطل بشدة الروتين الطبيعي لتناول الطعام والنوم كما أن العيش في حالة من التوتر الدائم يمكن أن يؤدي إلى موت خلايا الدماغ وانخفاض القدرة على تكوين شبكات عصبية جديدة، مما يترك الشخص حبيس تفكيره المشحون بالهلاك، ولهذا السبب، يصف جولد الاكتئاب بأنه مرض تنكس عصبي، ويقول إن أي علاجات فعالة ستحتاج إلى مقاومة هذا الضرر ومنع حدوثه مرة أخرى.
كتاب اختراق الاكتئاب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة