ولد في بورسعيد عام 1952 وكان أول تشكل لوعيه حين علم أنه تم تهجيره قسرا في أثناء العدوان الثلاثي مع أطفال عائلته ونسائها إلى المطرية بالمنزلة، وحيث تركوا خلفهم أباه ليكون ضمن الفدائيين الذين بقوا في المدينة الباسلة ليدافعوا عنها.
لذلك لم يكن غريبا في أعقاب يونيو 1967 أن يقرر الشاب جاد الكريم نصر الالتحاق بالكلية الحربية لكي يستكمل الدور نفسه الذي أداه والده، وقد تم قبوله بالكلية الجوية عام 1969، ليصبح ضمن النواة الأولى لسلاح الجو المصري بعد تحديثه.
التحق جاد الكريم بالقوات الجوية المصرية طيارا مقاتلا على طائرات الميج 17 في نوفمبر عام 1971، ليكون أحد أبطال الضربة الجوية الأولى في السادس من أكتوبر، واحدا من 220 طيارا لم يعرفوا بموعد الحرب سوى قبلها بساعات قلائل، لكن استعدادهم كان مختلفا في ذلك اليوم إذ تم إصدار الأمر لهم بالاستيقاظ مبكرا لأن الرئيس سوف يزور القاعدة ثم تم إبلاغهم بتأجيل الزيارة لعدة لساعات، ثم أبلغوا بأنه ليس هناك زيارة لكنها الحرب، ومثل ذلك قد حدث مع كل زملائه الطيارين في القواعد الجوية المصرية كافة إمعانا في السرية والخداع للعدو.
عاد جاد الكريم من الضربة الأولى دون أن يمسسه سوء هو أو أي من زملاء التشكيل المكون من ست عشرة طائرة، بعد أن دمروا كل الأهداف المطلوب منهم قصفها لدرجة أن الضربة الثانية - التي كان من المقرر أن يقوموا بها للتأكد من تحقيق الأهداف المقررة في الضربة الأولى - قد ألغيت نظرا لتحقيق كامل الأهداف.
في الثامن من أكتوبر طار جاد الكريم نصر ثلاث مرات في طلعات تستهدف بعض قوات العدو في عمق سيناء أو تبتغي حماية قواتنا المتوغلة فيها، وقبل الطلعة الثالثة دس واحد من زملائه كيسا مغلقا من المياه في جيب بنطاله على الرغم من أنه أكد له أن لديه واحدا، وذهب هذا الزميل ولم يعد.
كانت المهمة المطلوبة من السرب المكون من أربع طائرات هي القضاء على رتل مدرعات شرق مدينة كبريت، لكن السرب قد وصل ولم يجد الأعداء الذين ربما كانوا قد تحركوا بسرعة، وحينها تقتضي الأوامر العسكرية الروتينية العودة للقاعدة انتظارا لأوامر جديدة، لكن قائد السرب ومعه زملاؤه الثلاثة قد اتفقوا على عدم العودة دون تنفيذ هجوم قرروا أن يكون بصيغة القنص الحر أي الطيران بحثا عن هدف، وبالفعل وجدوا قاعدة اتصالات معادية فوق جبل بوسط سيناء فتم تنظيم التشكيل لعمل هجمتين إحداها بالقنابل والثانية بالصواريخ لكن بطلنا شاهد أربع طائرات فانتوم معادية تحاول منعهم من الهجوم فقرر القائد تنفيذ الهجمة على دفعة واحدة بطائرتين، وقام بالدوان الحاد ليصبح خلف الطائرات المعادية ليلعب جاد الكريم دور الطعم وينفذ الهجمة في نفس الوقت في حين يلتف قائد السرب المصري ليسقط بالفعل الفانتوم المعادية، لكنه بعد تنفيذ الهجمة ولأنه في المقدمة تتم إصابة طائرته لتنفجر في الجو بعد أن يكون قد استطاع القفز بالكرسي منها.
عاد الزملاء وأبلغوا استشهاده، لكنه كان قد سقط غائبا عن الوعي ومصابا بكسر في ذراعه وشظيه في ذراعه الأخرى وعدة شظايا في باقي أنحاء جسمه، وليس لديه إلا كيس الماء الذ منحه إياه زميله.
كانت حساباته تقتضي بأنه يبتعد عن القناة حوالي خمسين كيلو مترا، وأنه يستطيع السير رغم الإصابة ليومين بمعدل 24 كيلومتر يوميا، فنظر لاتجاه شروق الشمس ثم سار عكسه.
كان خلف خطوط العدو، وكان يلقي بنفسه داخل الأشواك الصحراوية محاولا الاختباء من طائرات العدو التي كانت تبحث عن الطيارين اللذين أسقطت طائرتيهما، وعلى الرغم من الألم والإصابة وأنه لا يملك من مقومات الحياة غير نصف لتر ماء منحه له شهيد فأحياه، استطاع العودة على قدميه متجاوزا قوات العدو ليصل إلى منطقة بين القوات ليسمع صوتا عربيا يأمره برفع يديه فصرخ أنا مصري وبدأ في السقوط بعد تعب يومين وألم ونزيف مستمرين، ليتم نقله إلى المستشفى حيث أقله العقيد أحمد بدوي، حيث كان خبر عودته مفاجئا لزملائه الذين رأوه يسقط وأبلغوا استشهاده، فكانت عودته سببا للفرحة والحماس، لكن هذا العائد من الشهادة استطاع أيضل تجاوز العلاج والوصول للياقة الطيران مرة أخرى، ليصبح فيما بعد اللواء طيار جاد الكريم نصر، ثم رئيس الشركة المصرية للمطارات ثم عين في عام 2018 مستشارا لوزير الطيران.
إنه البطل الذي عاد من الشهادة محملا بماء منحه له شهيد آخر ليستكمل دورا يجب أن يفخر به أولادنا.
وللحديث بقية.