أكرم القصاص

نجيب محفوظ.. كشف روائى لمجتمع التناقضات والتنوع

الأحد، 03 سبتمبر 2023 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بالرغم من أن نجيب محفوظ بدأ حياته فى طريق الفلسفة، وكتب فى مجلة سلامة موسى الذى مثل لنجيب محفوظ مكانة المعلم الأهم، بالطبع مع طه حسين عميد الأدب الذى سعى ودافع عن «تعليم كالماء والهواء»، قد مثل العلم لنجيب محفوظ هاجسا فى كل أعماله بطريقة مختلفة، ثم أنه التقط الفلسفة ونجح فى زراعتها بأعماله الكبرى، ولم يخل عمل من أعماله الأولى من حديث عن العلم والتقدم، بداية من أعماله الأولى عبث الأقدار «1939» رادوبيس «1943» كفاح طيبة «1944»، ثم القاهرة الجديدة «1945»، وتبعتها أعماله المتعددة التى لم يخل أى منها من حديث عن العلم والتعليم والتقدم.
 
وفى الثلاثية وتحديدا فى الجزء الثانى « قصر الشوق» يدور حديث بين كمال عبدالجواد ووالده السيد أحمد عبدالجواد، حيث يخبر كمال والده أنه يريد دخول مدرسة المعلمين، لكن الأب يرفض ويخبره أنه يريده فى كلية الحقوق، ويسخر من رغبة كمال فى أن يكون معلما أو «خوجة» بينما يرى كمال أن مدرسة المعلمين تحوز أكبر التقدير فى الأمم الراقية، وأن الأوروبيين يقدسونها، ويقيمون التماثيل للنابغين فيها ويرد الأب: مالنا نحن وأوروبا؟
 
نجيب محفوظ الذى رحل فى 30 أغسطس 2006، يلتقط فى الثلاثية كل تنوع المجتمع المصرى، وبذور هذا التنوع فى الفكر والثقافة، من خلال أحفاد السيد أحمد عبدالجواد، الشقيقان عبدالمنعم شوكت الذى يتبع الشيخ على المنوفى ودعوته  إلى إسلام «عقيدة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف»، أما شقيقه أحمد شوكت، الحفيد الآخر الذى يرى الحل فى اشتراكية تواجه الظلم الاجتماعى.
 
ثم إن كمال يكتب فى مجلة يرأس تحريرها الأستاذ عدلى كريم، الذى هو سلامة موسى صاحب الدور المهم فى تشكيل وعى نجيب محفوظ الفلسفى، وانتمى سلامة موسى إلى الاشتراكية الفابية التى مثلت أساس فكر حزب العمال البريطانى، ومن دعاتها الأديب جورج برنارد شو.
 
كان إيمان نجيب محفوظ بدور العلم والتعليم كبيرا، وأيضا الفلسفة التى حولها إلى أفكار داخل أعماله الأدبية من دون أن يبد أى نوع من الخطابة او المباشرة، وبلغ أقصى درجات الدقة فى عملين كبيرين هما «أولاد حارتنا» التى انتهت بعرفة رمز العلم، والحرافيش التى جمع فيها خلاصة فلسفته الوجودية ومزج بين مشاهد التصوف والتكية، وبين الدفع نحو التعليم والوعى للحرافيش حتى يمكنهم تغيير واقعهم وليس تغيير السلطة.
 
وعلى مدى ثلاثة أرباع القرن قدم نجيب محفوظ أعمالا تنوعت حملها فلسفته وأفكاره، وقدم كل أشكال التساؤلات، ضمن مشروع روائى هو الأكثر اتساعا وتنوعا بين الكتاب المصريين والعرب والعالميين، واستحق جائزة نوبل عن جدارة واستحقاق، بالرغم من أنه لم يسع للجائزة، بل تعامل معها باعتبارها طريقا لتعريف العالم بالأدب العربى.
 
وفى مشروعه الروائى لم يتخل نجيب محفوظ عن أفكاره وإيمانه بالعلم والحرية والتقدم، وأهمية التعليم والوعى، حتى وهو يعالج موضوعات تتعلق بالإنسان والوجود والقدر والسلطة، وهناك حوارات فى أعمال مثل الحرافيش وأولاد حارتنا أو السراب وقبلها الثلاثية، تحمل الكثير من أفكار محفوظ الفلسفية، والتى تتعلق بالشك واليقين والتساؤلات، وهى أفكار ظل يطرحها فى كل أعماله، وإن كانت جرت عليه المتاعب والهجمات، وظل يتعامل مع الهجمات بمراوغة وذكاء، لعلمه أن أفكاره تحتمل كل التأويلات والتفسيرات، أنها سوف تذهب إلى مستحقيها.
 
ومع أفكاره الفلسفية، فقد كان بارعا فى محاولة تفكيك وفهم المجتمع خاصة تناقضات فترة ما بين الحربين، وما أفرزته ثورة 1919، من أفكار فى الاستقلال وأنواع من التنوع والتعدد والتناقض، الذى يبدو مستمرا وأنه جزء من طبقات تاريخية تتعايش معا، تحت جلد المجتمع، لتظل قائمة طوال القرن العشرين، بل والقرن الحالى، وربما لهذا فإن الأجيال التى لم تعاصر نجيب محفوظ، تجد فى أعماله الكثير من الإجابات حول أسئلة الهوية والتاريخ والمجتمع، لكنها إجابات روائى، يسعى للتفسير والفهم وليس إصدار أحكام، وعلى من يريد المعرفة أن يتعامل مع المجتمع كما هو، لا كما يريد أن يراه.
 
اليوم السابع

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة