يعيش نجيب محفوظ حتى في موته، وها هي السنوات وراء سنوات تمر، ويبقى صاحب نوبل خالدًا بما قدمه من أعمال أدبية، وكل واحد من الناس كانت له تجربة مع عميد الرواية العربية، سواء قراءة أو مشاهدة.
وأنا كانت رحلتي مع نجيب محفوظ مهمة بالنسبة إليَّ، ففي طفولتي المبكرة حاولت أن أقرأ "الطريق" وغيرها لكن الأمر كان صعبا بالنسبة إلَّي، وقتها لم أكن قد تجاوزت "رجل المستحيل والمغامرون الخمسة"، وظل الأمر هكذا حتى وقعت في يدي "ليالى ألف ليلة" ذلك السحر الذي غرقت فيه وأحببت نجيب محفوظ من حينها ولم أفارقه.
في الإعدادية كانت رواية كفاح طيبة مقررة علينا، وأذكر أنني كنت أحفظ فصولا منها، وكنا نؤديها بشكل مسرحي أنا وزملائي في الطريق إلى المدرسة أحدنا "أحمس" والآخر "القائد خنزر" أحد قادة الهكسوس، ويدور بيننا الحوار:
- من أنت؟
- أنا أحمس بن كاموس بن سققنن رع، من أسرة عريقة انحدرت من صلب طيبة المجيدة ولم تعرف ري القطعان ولا التشرد في الصحاري مثلكم.
هذا الكلام أقوله الآن من الذاكرة بعد مرور سنوات وسنوات عليها، ولا أزال أتذكر كيف كان الزملاء في المدرسة الإعدادية يلتفون حولنا ونحن نؤدي الشخصيات ونغير من نبرة أصواتنا وننفعل كأننا في ساحة حرب.
في الجامعة كنت شغوفا بالبحث عن "أولاد حارتنا" حينها كان الممنوع يغرينا والبعيد عن اليد يفتتنا، لم تكن النسخ متوفرة في مكتبة الجامعة، التي فتحت لي بابا كبيرا للدخول إلى عالم محفوظ، لكن "أولاد حارتنا" البعيدة ظلت هي حلمي، حتى استعرتها من صديق ذات يوم، وإذا بها عمل فني متكامل، قرأتها منذ سنوات طويلة ولا يزال ما أثارته في نفسي من خيال وإحساس باقيا إلى الآن كلما ذكرت الرواية أو دار حديث عنها.
في الدراسات العليا أشار أستاذنا المرحوم الدكتور عصام بهي، عليه رحمة الله إلى كتاب "قراءة الرواية .. نماذج من نجيب محفوظ" للأستاذ الدكتور محمود الربيعى، الذي كان يقدم قراءات مهمة في الروايات الفلسفية مثل (الطريق والشحاذ واللص والكلاب) وغيرها من روايات هذه المرحلة، وكانت قراءة هذه الروايات إضافة إلى كتاب الدكتور الربيعي من الأمور الفارقة جدا في فهمي للنقد.
ومن قبل وبعد ظل "عشقي" الأهم في إبداع نجيب محفوظ "الحرافيش" بكل ما تحمله من مضمون ومن جماليات ومن خصوصية، عمل خالد إلى أبد الأبدين.. لذا يعيش نجيب محفوظ حتى في موته.