هل فكرت من قبل في تأمل التغيرات الكبيرة التي لحقت بنا فيما يتعلق بالثقافة، والرؤية، وتغير مفهوم القيمة والأخلاق؟ هل فكرت في أن العالم لم تعد فيه مركزية نعتمد عليها؟ هل تساءلت هل تغيرت الأمور تمامًا وصرنا في "مهب الريح" فعليا في قدرتنا على التمسك بما نراه؟ هل فرض العالم الاستهلاكي نفسه؟
معظمنا يعرف – بصورة أو بأخرى - عالم الاجتماع البولندي، زيجمونت باومان (1925 – 2017)، وأفكاره القائمة على فكرة أن الحداثة التي يعيش فيها العالم بصورة ما، هي "حداثة سائلة" أي أننا فقدنا سيطرتنا عليها.
وما يهمنى كثيرا في كلام زيجمونت باومان أنه يرى أن الاستهلاك تجاوز النواحي المادية ودخل على "القيم والأخلاق".. وهنا تكمن الخطورة.
فكرت في هذه الأمور لأننا كنا نعد ملفا مهما في اليوم السابع، كان يعده الزميل عبد الرحمن حبيب، عن "لماذا لا يوجد بيكاسو جديد؟" وعقد مقارنة بين بدايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، وللأسف انتصر القرن العشرين في "وضوح أسسه" وما يعتمد عليه، وفى قدرته على طرح أسماء ومدارس واضحة المعالم، وغير ذلك مما يوضح خصوصيته.
نحن في القرن الواحد والعشرين لا نملك خصوصية، بل تحول العالم أجمع إلى "قطيع" يتبع أفكارا متغيرة، غير ثابتة ولا مستقرة، والثقافة والفنون ومن بعدهما التعامل والقيم وطرق حياة، كلها تأثرت بغياب الخصوصية.
لقد فرضت التكنولوجيا نوعا من "السيولة" على كل شيء، فصار من الطبيعي أن يتحدث الواحد منا إلى شخص آخر دون أن ينظر إليه بل ينظر في تليفونه، وصار طبيعيا أن تنقل الزوجة وصفة ما من الإنترنت تتعلق بطعام أو ملبس دون أن تراعي ميزانية بيتها وظروف زوجها، وصار طبيعيا أن نبدل أفكارنا وآرائنا طوال الوقت لأننا لم نبنها على أسس.
ما أقوله هو مجرد وصف لما يجري، لأني لا أعرف حلا ولا أملك حلا، بل أخشى القول إن القادم هو إغراق في هذه السيولة، بل ومزيد من الإغراق.