"أي بنية إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال".. بهذه المقدمة البديعة استهلت أمامة بنت الحارث، وهي إحدى فصيحات العرب، وصيتها لابنتها العروس قبل زواجها. وهي الوصية التي تتم دراستها في منهج اللغة العربية للثانوية العامة وتربت الكثير من الأجيال عليها، والتي لم يكن الهدف من تدريسها فقط تعليمنا جانب من حقوق الزوج على زوجته، وإنما الدرس الأهم هو فن تقديم النصيحة وطريقتها وهو ما افتقدناه كثيرًا في الآونة الأخيرة ونحن نشاهد اللاهثون وراء "التريند" يتشبثون بـ"الميكروفون" في حفلات الزفاف ويصدمون العروسين بالكثير من الوصايا والنصائح في توقيت غير مناسب على الإطلاق أمام الجميع، فهذه أخت "تتوسل" لعروس شقيقها يوم الزفاف ألا تحرمهم منه وتغيرهم عليه، وتلك عروس تشترط على عريسها في عقد القران أن يحسن معاملة أهلها، وثالثة تصرخ بشكل هيستيري معلنة حبها لأهلها. مشاهد متتالية أثارت الكثير من الجدل ودفعتنا لاستطلاع آراء المتخصصين حول هذا المشهد.
في العدد اليومي
استشاري علاقات أسرية: تصرف غير مسؤول قد يسبب خراب البيوت
تقول استشاري العلاقات الأسرية شيماء عراقي لـ"اليوم السابع": "ليلة الزفاف هي ليلة العمر في حياة العروسين يخطط الزوجان للعرس لفترة طويلة واستعدادات لإقامة العرس وقد ينفق العروسان مبالغ طائلة حتى تكون أجمل ليلة لبداية حياتهم الزوجية ولكن قد يفاجأ العروسان بليلة الزفاف ببعض التصرفات من الضيوف ويمكن أن يكون أحد أعمدة الفرح وهي أخت الزوج تمسك بالميكروفون لتعطى نصائح للعروس لتحافظ على أخوها، وأن تتعامل معهم بالحب والمودة والكثير من التوجيهات للعروس، في هذه اللحظة تخرج العروس من حالة الفرحة والسعادة التي تعيشها في ليلة زفافها إلى عبء الكلمات وقد تكون نصائح قاسية غير مقبولة، قد تفسر ها العروس حتى على أنها غيرة منها.
وتابعت شيماء عراقي: "أحيانًا أخت الزوج تفعل ذلك بهدف جذب تعاطف الأخ معها أو محاولة للفت الأنظار وخطفها من العروس في تلك الليلة، وهذا غير مقبول أن يقوم أي شخص بتقديم النصائح على الملأ للعروس (النصيحة على الملأ فضيحة)، فهذه النصائح ليس لها فائدة ولن تعمل بها العروس في حياتها، وقد تعتبر تلك النصائح إهانة لها أو فرض طريقة تعامل عليها.
وأضافت شيماء عراقي: "على أقارب العروسين الالتفات لذلك وعدم تأييد الطرف الآخر فيه وعدم المغالاة في تقديم النصح، فليلة الزفاف ليست وقتا مناسبا لإعطاء نصائح للعروسين، لكن قد يسبب نوع من أنواع الكسوف والإحراج للعروس وأهلها، أيضا يتسبب في تعكير صفو أجواء الليلة، فقد يحمل الكلام والنصائح بطريقة أخرى فقد تتدخل العائلة بالرفض في طريقة الإملاء على بنتهم وتعديل في طريقة تربية العروس، ومن هنا تنشأ الخلافات التي تلحق يوم الزفاف، وتسبب في خراب البيوت.
امرأة تتحدث في الميكروفون خلال فرح
وقالت: "لن تنسى العروس من ذاكرة ليلة زفافها من قام بإيذائها نفسيا وهى عروس وتلبس ملابس العرس داخل قاعة الأفراح، خاصة لو تمت مشاركة المقطع من قبل أخت العروس أو غيرها على وسائل التواصل الاجتماعي لكسب مشاهدات، ذلك قد يسبب مشاكل ووضع حاجز نفسي بينها وبين العروس، لذا يجب وضع ضوابط للأفراح وما يقدم فيها للعروسين وعدم الانسياق وراء تريند النصائح بالأفراح، فليس محله إعطاء دروس لتقويم سلوكيات العروسين والمبالغة لإظهار التعاطف مع المقربين للزوجين من الأمهات أو أخوات العريس على حساب فرحة العروس في ليلة زفافها التي طالما انتظرت سنوات طويلة لتلك الليلة".
وأكدت شيماء عراقي: "ليلة الزفاف تعتبر ليلة خاصة بالزوجين يحتفل كل الضيوف بهما ومشاركتهما أجواء الفرحة والعمل على إسعادهما وراحتهما ليخرج حفل الزفاف بصورة جميلة تترك في ذاكرة العروسين صورة جميلة في حياتهما، ويفضل أن يقوم كبير البيت بإعطاء النصائح لأهل منزله قبل الخروج بأن: (الفرح فرح العروس بلاش مفاجآت، ويرفض تمامًا تقديم النصح للعروس يوم زفافها)".
خبيرة إتيكيت: النصائح أمام الآخرين مرفوضة والرقصة الأولى من حق العروسين فقط
أما خبيرة الإتيكيت هالة العزب فقالت لـ"اليوم السابع": "يرفض الإتيكيت كل هذه التصرفات، ويرفض تقديم النصائح أمام الجميع، بالإضافة إلى أنه موقف يعرض الطرفين للحرج يضع العروس والناصحة في موقف غير لائق، يتسبب في إفساد الفرح، أيضًا يرفض الإتيكيت فقرات تقديم الشكر للأب والأم، فتعتبر تحت بند جلب الحزن والبكاء، وهذه التصرفات مرفوضة لكي لا تفسد الفرحة".
وتقول هالة العزب: "أيضًا فقرة احتضان الأخت لأخيها والرقص معه في الرقصة الأولى من بداية الفرح، يعتبر هذا التصرف من السلوكيات التي يرفضها الإتيكيت والقواعد والأصول، فمن الإتيكيت أن تكون الرقصة الأولى من نصيب العريس والعروس فقط، لأنها محط أنظار الجميع فلا يصح أبدا أن يصاحبهما إخوة أو أقارب أو أصدقاء، أيضًا يرفض الإتيكيت أن تقوم أخت العريس بارتداء ملابس سهرة بنفس لون فستان العروس، أو عمل مكياج وتسريحات تشبه العروس".
عريس يلقي كلمة في زفافه
خطيب بالأوقاف: النصيحة واجبة ولكن لها ضوابط شرعية
فيما أوضح خالد الجمل الداعية الإسلامي الخطيب بالأوقاف: "النصيحة على الملأ فضيحة، وأفضل ألا يكون النصح على الملأ، فالزواج هو رباط رسمي بين طرفين اثنين الزوج والزوجة، ولكن نلاحظ أن المولي تبارك وتعالي لم يتكلم عن الزواج بصيغة المثني، ولكن الله تكلم عن الزواج بصيغة الجمع فقال جل وعلا في سورة الروم (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )، لذلك فإن الزواج هو علاقة الفة ومودة ورحمة بين جميع الأهل واي شيء أجمل في المودة من النصح بين جميع أفراد الأسرة".
وأضاف: "تقديم النصيحة أمر واجب على كل مسلم تجاه أخيه في حين إن تمت هذه النصيحة بضوابطها الشرعية الصحيحة، وأعتقد أنه يجب على من يريد أن يقدم نصحا ما أن يبتعد عن التباهي والتفاخر بهذا النصح أمام الناس، خاصة في بداية الزواج يجب أن نراعي احترام الزوجة التي يجب أن نعلى من قدر تربيتها في بيتها أمام نفسها وأمام الناس، أن يتحول هذا النصح إلى مظهر من مظاهر التباهي أمام الناس فقد يتحول من النصح إلى العجب وقد يسبب حرجا لها أو له بين الناس، حتى الأمام الشافعي يقول: "بنصحك في انفرادي، وجنبني النصيحة في الجماعة، فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه".