الخسارات التي نواجهها كل يوم كثيرة ومتنوعة، لكن أصعبها أن تخسر "قيمة"، ونحن قد خسرنا قيمة كبيرة برحيل العم عبد القادر محمد السيد الشريف، رحمه الله.
لم أتخيله أبدًا يغيب عن مكانه، ألا يكون موجودًا في بيته أو أرضه، أن يأتي يوم وينشر الناس صورة له على مواقع التواصل الاجتماعي (مبتسمًا يلوح للناس تلويحة الوداع) لكن ذلك حدث، فذات مغرب خلت الدنيا من حضوره الشفيف البهي، وخلت من أثره البالغ، وسكنت البيوت حزينة بينما وجم الأطفال في قتامة.
كان العم عبد القادر محمد السيد، منذ شبابه الذي عاصرت جزءًا كبيرًا منه "ابن ناس"، له حضور خفيف على الروح، وعنده محبة للحياة، ومعرفة بقيم الناس، لا تجده أبدًا مقطب الوجه ولا مكدر الحال، وشاءت الدنيا أن يصبح كبير أهله، فقام بذلك خير قيام، كان ذكر اسمه يكفي كي نعرف أن المشكلة ستخرج من دائرة العنف والصراع إلى دائرة الحكمة والحل.
كان رجلًا مركزيَّا، تبدأ الأشياء منه وتنتهي إليه، وهو يتلقاها بلين ويصدرها بلطف، يحدث كل ذلك مصحوبًا بالثقة فيه، نحبه ونقدمه، لا فرح يقام ولا عرس يبدأ إلا وهو شاهد عليه، ولا عزاء ينصب إلا وهو جالس في أوله يتلقى العزاء. هذه المركزية كانت لها قيمها وأخلاقها المرتبطة بالتقدير وبالدور وما يتطلبه من تكلفة كان يقدمها راضيًا.
ومع وضعه ومكانته كان الرفق سمة أساسية في شخصيته، وهو أمر مفطور عليه، فحتى لو حاول أن يكون عنيفًا ما استطاع، في قلبه لين، نعرفه نحن الأطفال الذين كبرنا أمامه ولم نذكر له مرة واحدة أن عنَّفنا أو قسى علينا، بل كنَّا أبناء أخيه الذين يحبهم ويحبونه.
لذا بموت العم عبد القادر مات جزء مهم في حياتنا، جزء مرتبط بنمط الحياة الذي تغير وتبدل، وصارت البهرجة أولوية ومشاعر الناس تأتي ثانية وثالثة في الترتيب وربما لا تأتي أبدًا.
بموت العم عبد القادر تغيرت أشياء كثيرة، انتهي زمن كامل بكل ما فيه من براح وإنسانية، زمن كان الآباء يراقبون ضعفنا ويبتسمون، لأنهم يراقبوننا وهم مصحوبون بالأمل بأن هؤلاء الأطفال الضعفاء الذين يسيرون خطوة ويسقطون أخرى ستقوى أرجلهم ويطوفون في بلاد الله بحثا عن أنفسهم ويصبحون كهولًا يتذكرون الماضي وناسه الطيبين.
لقد قد تغير كل شيء وكان موت العم عبد القادر محمد السيد كلمة الختام، معلنة بدء عصر جديد أقل جمالًا وتأثيرًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة