تظل حكاية هابيل وقابيل حكاية مركزية في تاريخ الإنسان، لا يمكنه أن يتجاوزها بصورة من الصور، بل صارت هذه الحكاية طريقة تفكير وأسلوب قياس، لقد قتل الإنسان أخاه.. فهل هناك شيء آخر أصعب من ذلك سوف يحدث؟
يمكن لنا أن نقرأ هذا المشهد من باب أن القسوة كامنة في الإنسان، أو أن الدنيا غالبة عليه، أو أن الألم جزء أصيل فيه، أو أن الشقاء مكتوب عليه، أو أن النفس أمارة بالسوء، أو أن أقدار الله جارية.. ويمكن لكل واحد منا تأمل الحدث والوقوف عنده حسب ثقافته ورؤيته للحياة والموت، لكنه يظل أخطر ما جرى في بدء الحياة.
لماذا هو الأخطر؟
لأنه الإنسان تحمل النتيجة كاملة، لقد فهمنا خروج سيدنا آدم من الجنة بأنها إرادة الله، فلقد خلق الله آدم لعمارة الأرض، بالتالي فإن نزوله إلى الأرض مقدر، وما جرى مجرد أسباب كي نفهم، لكن أن يكره الأخ أخاه ويحقد عليه، ثم يقتله، ثم يندم، ثم يخف ندمه ويكمل حياته، لهو الأمر الصعب.
وأنا مشغول بفكرة المصائر، لذا أرى أن مصير أبناء آدم تغير تمامًا بعد موت هابيل، لقد فقدوا شيئًا لا يعوض في نفوسهم، واكتشفوا أنهم لا يختلفون كثيرًا عن الوحوش المحيطة بهم، وأن في داخل كل واحد منهم "قاتلًا" من السهل أن يتخلص ممن يعترضه، من السهل أن يريق الدم، وحتمًا شعر آدم نفسه بالحزن العميق، وهو الحزن الذي لم يفارقه أبدًا، لأنه حزن يأتي من الشعور بالحسرة، إذ نظر لما بين يديه من أبناء فوجدهم "متصارعين" لا يمتثلون لقوله ولا يتبعون فعله.
أما مصير قابيل القاتل، فقد اختلف رأي التراث فيه، فهناك رأي يقول إنه عوقب في يومه وانتهى، ورأي آخر يذهب إلى أنه ترك مكان أبيه وأخوته وذهب إلى أرض بعيده، وأنه ظل مسكونًا بالندم.. لكن رأيي أنه مع الوقت تخلص من ندمه، بدليل أن الأخ لا يزال حتى هذه اللحظة يقتل أخاه.
مشغول أنا بالمصائر وكانت قصة هابيل وقابيل بداية تفكيري فيها، وسنواصل في مقالات جديدة التأمل في مصائرنا جميعا.