لم تعد حرب أكتوبر بالنسبة إلى التاريخ المصري الحديث مجرد نصر عسكري، ولم تعد كذلك ذلك الحدث الذي ساعد المصريين على عبور شعور الانكسار إلى الإحساس بالقدرة على الحياة والفعل الإيجابي فيها، لكنها صارت محور ارتكاز للهوية القومية الحديثة، وكما يستعيد كتابنا ومبدعونا وإعلامنا كثيرا من الأعمال التي عملت على تخليد هذا الحدث وما صاحبه من ظواهر ومظاهر إنسانية واجتماعية في مصر، كما يحدث كل هذا كل عام، ففي الوقت نفسه يتجدد السؤال حول مدى كفاية كل ما يتم إبداعه من أجل حماية ذاكرة أولادنا ووعيهم فيما يتعلق بنصر أكتوبر، وفيما يتعلق بفكرة الهوية المصرية في ظل انفتاح قنوات التواصل التي تبث في هذا الوعي كل لحظة ما يجعلنا نخشى على تكوين هذا الوعي في المستقبل، حيث تتنامى قصص العدو ومسروداته التي يمكن اعتبارها محاولة لضرب هذه الهوية من الأساس.
هي بالفعل لحظة التساؤل السنوية، ما الذي فعلناه في هذا الصدد، في الوقت الذي نستعيد فيه أغنيات خلدت الحدث، ربما كانت هي الإبداع الأكثر تعبيرا عنه، في ظل عدم تمثيل حدث أكتوبر لا سينمائيا ولا دراميا بالصورة المناسبة، وفي حين تظل باقي الإبداعات الأقل شعبية وتأثيرا في المجتمع، وفي ظل تطورات تكنولوجية وإبداعية تجعل من الضروري علينا أن نواكب هذه التطورات بصناعة أعمال لا تحكي فقط بطولات آبائنا من المحاربين في أكتوبر، ولكن أيضا تتكلم عن قدرة المجتمع المصري على تجاوز محنه – وهي الفكرة التي يبدو أننا في حاجة إليها بشدة – خاصة مع تزايد حدة السرود المضادة التي يبثها عدونا ليثبت لنفسه وللعالم ولأبنائنا أنه قد انتصر، أو على الأقل لم ينهزم في أكتوبر، وهو ما يجب اعتباره الخطر الأكبر على واحدة من مفردات الهوية المصرية حاليا.
ليست المسألة إذن مجرد استعادة لذكريات معركة تم لنا فيها الانتصار، لكنها بالأحرى تنمية لوعي الإنسان المصري بذاته وبقدرته على تجاوز العقبات وصنع انتصاره الخاص، وهو ما يبدو أنه البناء الأولى بالرعاية في الوقت الحالي، حيث لا يتعلق الأمر بماض مجيد بقدر ما يتعلق بزرع الرغبة الحقيقية في إثبات الذات والعمل على بناء المستقبل على أساس قومي واضح، وهو الأمر الذي يدرج ضمن مبادرات الدولة المصرية لبناء الإنسان.
إنها إذن دعوة لكل مبدعينا ومفكرينا أن يعملوا على تطوير أعمال ترسخ من وجود حرب أكتوبر في وعي أولادنا في صورة معاصرة حديثة جذابة تتحدث بلغتهم وتصف لهم بصدق ما حدث.