سوف يحدثكم كثيرا عن أهمية التنوع، والخلاف فى الرأى الذى لا يفسد للود قضية، لكن عند أول خلاف، نكتشف أن الخلاف يفسد كل قضية ويحول التنوع إلى صدام، وآخر مثال على هذا الجدل العقيم، يدور من أسابيع أو ربما على مدى العام الماضى كله الذى يكتمل خلال أيام، ما بعد 7 أكتوبر، على مواقع التواصل، حيث نكتشف أن هناك استسهالا للتخوين والتكفير، وإلقاء اللوم وتلطيخ الآخر لمجرد أنه يختلف معه فى الرأى، وهو أمر لا يتعلق بنا فقط لكن بغيرنا، ربما هو نوع من الثقافة العربية التى تقوم على الرفض الذاتى والعمق المتنوع فى إطار الخروج داخل النص»، لا أفرق بين يمين أو يسار أو وسط، النخب تنخرط فى تكفير وتخوين وتجهيل بعضها، وتحارب نفسها، وتنسى العدو.
وآخر هذه الأمثلة رأيناه فى الموقف من أى موضوع، فى لبنان مثلا رأينا انقساما واختلافا فى الآراء بين تيارات مختلفة، من حزب الله، قبل وأثناء وبعد المواجهة مع إسرائيل، هناك من كان يؤيد حزب الله حتى تحرير الجنوب عام 2000، ثم اختلف مع سيطرة أو اغتيالات أو فرض سلطة، وكلها تتعلق بمواقف ومواقع التيارات والقوى السياسية، خاصة بعد اغتيال رفيق الحريرى، وانقسام التيارات فى لبنان بين رافضين أو مؤيدين من يرى أن وجود تيار أو ميليشيا مسلحة تضعف من قوة الدولة، وهناك من يظل يتمسك بأن أى تيار يحارب إسرائيل هو مقاومة يجب تأييدها على طول الخط من دون مناقشة، ويرد آخرون بأن المقاومة لا تعطى الحق فى منع الآخرين من التحرك، الموقف هنا متنوع ومرتبط باتجاهات وانتماءات وولاءات وانتماءات.
خاصة أن فى الصورة تظهر إيران، بتجربتها وما خلقته فى المنطقة على مدى سنوات من حروب بالوكالة، فرض نفوذ فى لبنان وسوريا واليمن وغيرها، وصراعات إقليمية ومواجهات وانتفاضات ومواجهات كانت المواقف فيها متداخلة، كل هذا وضع أحزابا مثل حزب الله والحوثيين فى لبنان واليمن داخل كتل الولاء لإيران، ونفوذها وطموحاتها، التى لا تتعلق بالضرورة بالمصالح المقاومة، ولكن بمصالح برجماتية سياسية أو سلطوية.
طبيعى أن تكون هناك مواقف متنوعة ومتناقضة فى مواجهة كل هذا التداخل، هناك من يقف ضد إيران أو ينتقد حزب الله، وبالتالى يشك فى توجهات هذا الطرف أو ذاك، وهناك من يتمسك بأن المقاومة والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلى أيا كانت تستحق التصفيق والتأييد، بل إن الخلاف يمتد إلى تقييم عملية 7 أكتوبر وما إذا كانت عملية مقاومة أم أنها قفزة فى الفراغ، وهل المقاومة يجب أن تحسب النتائج والأرباح والخسائر، أم أنها يجب أن تقوم بالعمليات بصرف النظر عن النتائج باعتبار أن الاحتلال معتد ويمارس الضرب ويقتل ويبيد، وهو ما يجعل المقاومة بأى شكل هى خطوة تستحق التحية، فى المقابل هناك من يرى أن المقاومة يجب أن تمزج بين المواجهة العنيفة وبين السياسة وأن أى خطوة عسكرية يجب أن تكون لها أهداف سياسية.
الواقع أن كلا منهم صاحب رأى، لكن كلا الطرفين بالرغم من أنه ينتمى لنفس الشعب ونفس الهدف، لكن من يؤيد 7 أكتوبر بلا شروط يرى أن من ينتقدها خائن وينحاز للعدو، بينما من يؤيدون العقل والمنطق يرون العملية بلا عقل ولا هدف وأنها خسارة فتحت الباب لقتل وتدمير ولم تنتج أهدافا، لكن ما يجرى هو أن الكل يكفر الكل ويزايد على الكل، ولا يسمح بالاختلاف والتنوع، الوكيل الرسمى للمقاومة والوكيل الرسمى للعقل.
والواقع أنه مع كل حدث يظهر خبراء «الكل حاجة» جاهزين لتكرار موشحات التحليل والملامة والاتهامات، قليلون فى العالم الافتراضى من يحاولون قراءة الصورة بشكل متواضع، لكن «هيهات» نحن أمام خبراء «عقماء»، فى أعقاب أى مواجهة واستنادا إلى خبر هنا أو رقم هناك يتحول إلى خبير فى المقاومة، والهجمات المرتدة، ينخرط فى تحليل الأمر وإصدار أحكام مرتديا وجه الحزن أحيانا، ووجه الخبير الناصح الأمين أحيانا أخرى، بصرف النظر عما يعرفه بالفعل حول الموضوع، الذى لا يتجاوز بوست أو لينك وضعه «تريند» افتراضى.
مقال أكرم القصاص