عبر محطات عديدة امتدت لأكثر من 50 عاماً، صاغ البلدان الكبيران مصر والإمارات علاقتهما الاستثنائية؛ علاقات قوامها الوعي والفهم المشترك لطبيعة الظروف الاستثنائية التي تشهدها المنطقة والعالم بأسره، وعمادها وحدة الرؤى ووحدة الرؤى إزاء القضايا الإقليمية والدولية المحورية، العمل المشترك لإيجاد حلول سياسية لأزمات المنطقة.
ودعم متبادل في العديد من المواقف على الأصعدة كافة، ما سهم في تعزيز التعاون الأمني والدفاعي بينهما، وتضافر الجهود الثنائية في مواجهة التحديات الإقليمية المرتبطة بإرساء السلام، ودعم جهود استقرار المنطقة، وجهود مشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب وتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية إضافة على العمل على تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات.
استندت العلاقات بين البلدين إلى أسس الشراكة الإستراتيجية التي كانت بذرتها الأولى عام 1971 ، وهو العام الذي كان شاهدا على دعم مصر المطلق لالتئام شمل الإمارات السبع في دولة واحدة، وهى دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وتأسيسًا على هذا الغرس واصلت العلاقات بين البلدين نموها؛ مقدمًة نموذجا يحتذى به في العلاقات العربية العربية على المستويين الرسمي والشعبى.
محطات استثنائية
التاريخ الممتد لأكثر من 50 عاماً بين الشقيقتين مصر والإمارات حمل بين طياته الكثير من المحطات المهمة، بعضها يتعلق بالدعم المتبادل في العديد من المواقف، والبعض الآخر يتعلق بانطلاق المشروعات العملاقة التي ساهمت في دفع النمو بكلا البلدين، من بين أبرز تلك المحطات، مشروع مدينة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالى الذى تم توقيع الاتفاق بشأن إطلاقه بالتعاون مع الجانب الإماراتى، في فبراير الماضى، كأكبر صفقة استثمار أجنبى مباشر في مصر .
وتضمن المشروع استثمار أجنبى مباشر بقيمة 35 مليار دولار دخلت خلال شهرين، منهم الدفعة الأولى 15 مليار دولار، والثانية 20 مليار دولار، و للدولة المصرية 35٪ من أرباح المشروع.
ويسجل التاريخ محطة أخرى مضيئة على طريق العلاقات بين الشقيتين، للشيخ زايد الرجل الذي غرس التوجه نحو مصر بكل الحب والتقدير وتعهد العلاقات الإماراتية المصرية بالرعاية والعناية ونسج علاقات بالغة التميز والخصوصية معها.
وتم البناء على هذا الغرس النبيل وترجمته قيادتا الدولتين من خلال الحرص على التنسيق المتبادل بشأن كيفية مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة في المرحلة الراهنة، والتي تتطلب تضافر الجهود من أجل حماية الأمن القومي العربي، والتصدي لمحاولات التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية وزعزعة استقرارها.
بلغ هذا التنسيق ذروته خلال السنوات الأخيرة، خاصةً ما يتعلق بتقارب الرؤى والمواقف السياسية تجاه القضايا الرئيسة في المنطقة ، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية وحل الدولتين.
استثمارات واعدة
قوة تلك العلاقات على الصعيد الاقتصادى تترجم البنيان المتين لتلك العلاقات على الصعيدين التاريخى والسياسى، وشهدت تلك العلاقات دفعة كبيرة منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي، فأصبحت الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية والأجنبية المستثمرة في مصر، وفى إطار الحرص على تنمية تلك العلاقات، قام الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بعدة زيارات إلى دولة الإمارات، والتقى في مقر إقامته بعدد من كبار مستثمري دولة الإمارات، لبحث سبل تنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وتُعد أكبر دولة مستثمرة فى السوق المصرية، فقد قفزت الاستثمارات الإماراتية في مصر إلى 5.7 مليار دولار خلال العام المالي 2021 ـ 2022 من 1.4 مليار دولار خلال عام 2020 ـ 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 300.8%.
وبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين 68 مليار دولار خلال 22 عاما فقط.
وتوضح الأرقام نمو العلاقات بين مصر والإمارات ، حيث ارتفع حجم التبادل التجارى بين البلدين ، ليسجل 4.9 مليار دولار بدلا من 3 مليارات دولار سجلها التبادل التجارى عام 2022 .
وسجلت الصادرات المصرية إلى الإمارات ارتفعا بلغ 1.8 مليار دولار خلال الـ11 شهر الأولى من عام 2022 مقابل 1.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 14.4%.
رأس الحكمة
أهم الصادرات المصرية للإمارات
يُعد اللؤلؤ والأحجار الكريمة والحلي و الآلات أهم صادرات مصر للإمارات، إضافة إلى والأجهزة الكهربائية والملابس والخضروات ومنشآت جاهزة الصنع.
وبالنسبة للواردات من الإمارات فأبرزها الوقود والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها واللدائن ومصنوعاتها و اللؤلؤ والأحجار الكريمة، والنحاس ومصنوعاته والأسماك.
المستوى الأمني
أما على الصعيد العسكري، والشراكة الاستراتيجية بين البلدين فهى تمثل حائط صد قوى للأمة العربية فى مواجهة التحديات، ومواجهة المخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي.
وهناك حرص مستمر على تعزيز العلاقات الثنائية في مجال التعاون العسكري وتطويرها من خلال الزيارات المتبادلة بين وفدي البلدين في مجالات متعددة، مما أدى إلى إحداث نقلة نوعية في العلاقات العسكرية، وفقًا لما ذكرته الهيئة العامة للاستعلامات.
وفي ظل الأزمات التي تعصف بالمنطقة، بدأت الدولتان في تنفيذ شراكات مستمرة في مجال التعاون العسكري، حيث تشارك الجيشان في عمليات تدريب عسكرية مشتركة وتعزيز قدرات القوات المسلحة لمواجهة التحديات المختلفة، وشهدت السنوات الأخيرة طفرة فى المناورات والتدريبات المشتركة بين مصر والإمارات، سواء على البر أو البحر أو الجو، مما يعزز التعاون العسكري بين البلدين.
وفى السياق الأمني، شددت القيادة المصرية في أكثر من مناسبة على أمن مصر القومي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن منطقة الخليج العربي عمومًا وخاصةً الإمارات.
وهناك عدة مواقف تجسد عمق العلاقات الاستراتيجية بين مصر والإمارات، وقوة الروابط الدفاعية والعسكرية، من بينها مشاركة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في افتتاح قاعدتي "محمد نجيب العسكرية" في شمال مصر في يوليو 2017، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ثم افتتاح قاعدة "برنيس" في يناير 2020، وبالأمس الخميس مشاركة الشيخ محمد بن زايد في مشاهدة عرض قوات الصاعقة، خلال فعاليات حفل تخرج دفعة جديدة في الأكاديمية والكليات العسكرية لعام 2024.