"وربما جاء يوم نجلس فيه معًا لا لكى نتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقة مرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله. نعم سوف يجئ يوماً نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا فى موقعه.. وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره، وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة فى فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء"، هذه كلمات خالدة من خطاب النصر التاريخي الذى ألقاه الرئيس الراحل أنور السادات أمام مجلس الشعب فى 16 أكتوبر 1973.
في السادس من أكتوبر 1973، والذي كان وافق العاشر من رمضان، وعند الساعة الثانية بعد الظهر كان بيان إذاعة القاهرة:
"بسم الله الرحمن الرحيم، قام العدو الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر اليوم بمهاجمة قواتنا بمنطقتي الزعفرانة والسخنة بخليج السويس بواسطة تشكيلات من قواته الجوية عندما كانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربي للخليج، وتقوم قواتنا حالياً بالتصدي للقوات المغيرة".
اعتادت الناس على مثل هذه البيانات فترات طويلة، وأصبحت جزءاً من حياتهم اليومية، ولكن فجأة، قطعت إذاعة القاهرة هدوءهم المعتاد بموسيقى عسكرية تبعها "هنا القاهرة"، ثم كان "البيان رقم 1" للإعلان عن بدء الحرب، حيث هاجمت قواتنا المسلحة الباسلة الجيش الإسرائيلي على جبهات سيناء.
كان اختيار التوقيت عاملاً مهماً لبدء الحرب، إذ صادف السادس من أكتوبر يوم "كيبور" أو عيد الغفران، وهو أحد الأعياد الإسرائيلية، ودرست القيادة العسكرية المصرية جميع العطلات الرسمية فى إسرائيل، ووجدوا أن يوم "كيبور" هو اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة والتلفزيون (في إسرائيل) عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد أي أن استدعاء قوات الاحتياط بالطريقة العلنية السريعة غير ممكن".
بدأت الحرب بهجوم مفاجئ من الجيش المصري على القوات الإسرائيلية في سيناء،
وتوغلت القوات المصرية شرق قناة السويس، وبدأت بشاير النصر وبعد ستة أيام فقط، أي في 12 أكتوبر، استغاثت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بأمريكا، التي أقامت جسراً جوياً غير مسبوق في تاريخها لنقل الأسلحة لإسرائيل، في وقت كان القتال فيه مستمراً ويوحي بنتيجة كارثية للكيان الإسرائيلي على يد الجيش المصري العظيم.
أعادت الحرب الثقة للشعبين المصري والعربي، نتيجة الدور البطولي للقوات المسلحة المصرية الباسلة، وتضحيات لا مثيل لها لضباط وجنود جيشنا الأبي، الذي حطم خط بارليف المنيع، وكسر شوكة الجيش الذي لا يقهر، بأداء عسكري فاق كل التوقعات الدولية والإسرائيلية، كما كشفت ذلك المحاضر والوثائق الإسرائيلية التي تم رفع الحظر عنها العام الماضي بمناسبة مرور 50 عاماً على الحرب.
من أهم أهداف وإنجازات حرب أكتوبر المجيدة هو كسر الغرور والغطرسة الإسرائيلية، والوقوف أمام جيش مصري عربي قوي لا يعرف إلا رد الحقوق والدفاع عن الأراضي المصرية ضد أي معتدٍ، وقد أتاح "نصر أكتوبر" لمصر تحقيق سلسلة من المكاسب السياسية والعسكرية، وبعد مرور 51 عاماً لا يزال النصر مصدر فخر وإلهام للمصريين والعرب.
وهذا يقودنا إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي أتمت عامها الأول، ولا تزال مصر تتصدر الجهود الإقليمية والدولية الدافعة نحو وقف فوري ودائم لإطلاق النار، ووقف المجازر اليومية وقطع الطريق أمام المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.
مصر دورها تاريخى ومتواصل على مدار عقود في تبني القضية الفلسطينية؛ -ولاتزال- فقد نجحت الدولة المصرية، فى وقف إطلاق النار وإعادة القطاع إلى الهدوء خلال الحروب الإسرائيلية الخمسة على قطاع غزة (2008، 2012، 2014، 2021، 2022)، وخلال العدوان الإسرائيلي البربري في أكتوبر الماضي لعبت مصر دوراً محورياً للحيلولة دون إراقة المزيد من الدماء البريئة، ونددت بحرب الإبادة الجمعية وجرائم العقاب الجماعى للنساء والأطفال والذي أسفر حتى الآن عن سقوط أكثر من 41 ألف شهيد، وطالبت مصر بضغط دولى من أجل إيقاف إطلاق النار.
وقد وجه الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي منذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلي، بتكثيف اتصالات مصر مع جميع الأطراف ذات الصلة، وعقد قمة القاهرة للسلام، ودعا الرئيس المنظمات الأممية ممثلة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الاضطلاع بدورها الإنساني في إنقاذ الأرواح وفرض السلام. وتواصلت مصر مع كافة الأطراف الدولية الفاعلة، وزار القاهرة قادة وزعماء دول كثيرة أبرزها رئيس الوزراء البريطاني، المستشار الألماني، رئيسة وزراء إيطاليا، الرئيس الفرنسي.
وقفت مصر بقوة ضد مؤامرة إسرائيل لتهجير سكان قطاع غزة وتصفية القضية الفلسطينية، لأن القضية الفلسطينية بالنسبة لمصر هي أمن قومي، وهو ما دفع إلى تراجع الاحتلال الإسرائيلي عن تصريحات تهجير الفلسطينيين نحو مصر.
وستظل رسائل الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي للمصريين عن ذكرى أكتوبر «النصر سيظل برهاناً على إرادة وصلابة المصريين، وتمسكهم بسيادة الوطن وكرامته» هي النبراس الذي يضئ لنا الطريق والاطمئنان بجيشنا القوي والسد المنيع ضد أي خطر.