تظل حرب أكتوبر 1973 واحدة من أكثر اللحظات فخرا في تاريخ الأمة المصرية، حيث تجسدت فيها روح التضامن والعزيمة بين الجيش والشعب، لتؤكد قدرة مصر على استعادة أراضيها وحقوقها، ومن بين أهم الجوانب التي شكلت علامة فارقة في هذا الانتصار، هو الدور الحيوي الذي لعبه أبناء سيناء في دعم القوات المسلحة خلال تلك الحرب المجيدة علي الرغم من الاحتلال الإسرائيلي الذي جثم على سيناء لسنوات، إلا أن أهلها لم يتخلوا عن وطنهم، بل أصبحوا عيون القوات المسلحة وآذانها داخل أرض المعركة.
قبل أن نبدأ في الحديث عن دور أهل سيناء في حرب أكتوبر، يجب أن نعي السياق التاريخي الذي جعلهم قوة لا يستهان بها في مواجهة الاحتلال، فقد عانى أهالي سيناء من سنوات الاحتلال بعد نكسة 1967، وكانوا عرضة لممارسات قمعية، لكن تلك الممارسات لم تنجح في كسر إرادتهم ، وأصبح أهالي سيناء جزءا أساسيا من المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث ساهموا بطرق مختلفة في دعم الجيش المصري سواء بالاستطلاع أو بالمشاركة المباشرة في القتال.
في أوقات الشدائد، تظهر معادن الرجال، وهذا ما ينطبق علي مواقف قبائل وعواقل سيناء خلال اللحظات الحاسمة منذ اللحظة الأولى للاحتلال الإسرائيلي لسيناء، فقد كانوا دائما سندا لا غنى عنه لقواتنا المسلحة، خصوصا بعد نكسة 1967، حينما تصدوا لمؤامرة إسرائيلية كبيرة هدفت إلى تدويل سيناء وسلخها عن هويتها المصرية إلا أن قبائل سيناء ظلوا متمسكين بمصريتهم ورفضوا كل المخططات التي سعت إلى إضعاف الوطن ووقف شيوخ قبائل سيناء وأبناؤهم بجانب الجيش المصري، وقدموا الدعم للقوات المسلحة و لم يتوانوا في حماية جنودنا وساهموا في تأمين عودتهم إلى غرب القناة بعيدا عن بطش الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يسعى للقضاء عليهم و كانت تلك الوقفة رمزا للشجاعة والتلاحم الوطني بين الشعب والقوات المسلحة.
ومع انطلاق حرب أكتوبر 1973، عاد أبناء سيناء ليكونوا ظهرا قويا للجيش المصري، وكانوا في طليعة الجنود، ولم يقتصر دور أهالي سيناء على توفير المعلومات الاستخباراتية فقط، بل كانوا يمتلكون شجاعة كبرى في تنفيذ المهام الاستطلاعية واللوجستية وقدموا للقوات المسلحة المصرية كل الدعم المطلوب، بدءا من تأمين خطوط الإمداد، وصولا إلى توفير ممرات آمنة للقوات المصرية عبر المناطق التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.
خلال الحرب نفسها، قدم أهالي سيناء دعما كبيرا في العمليات اللوجستية وتأمين المعلومات، وقاموا بتضليل القوات الإسرائيلية في العديد من الأحيان عبر إخفاء التحركات العسكرية المصرية أو توفير طرق بديلة للتقدم و كانوا أعين وآذان القوات المسلحة المصرية وساهموا في رصد تحركات العدو بدقة، مما ساعد القيادة المصرية في اتخاذ القرارات العسكرية الحاسمة بالإضافة إلى توفير الطعام والمياه والمخابئ، وهو ما أسهم في تعزيز الروح المعنوية للقوات المصرية.
بعد انتهاء الحرب، كان واضحا للجميع أن أهالي سيناء كانوا شركاء حقيقيين في تحقيق هذا الانتصار الكبير و الدولة المصرية لم تغفل دورهم وأهمية ما قدموه من تضحيات و تم تكريم العديد من أبناء سيناء على مشاركتهم الفعالة في الحرب، سواء على مستوى تقديم المعلومات الاستخباراتية أو المساعدة اللوجستية كما أولت الدولة اهتماما خاصا بتنمية سيناء بعد تحريرها، حيث تم تنفيذ العديد من المشروعات التنموية التي تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية لأبنائها وتعزيز مكانتهم كشركاء في حماية الأمن القومي المصري وشهدت السنوات التي تلت الحرب اهتماما متزايدا بتعليم وتدريب أبناء سيناء، ليكونوا جزءا من النسيج الوطني المصري بكل مكوناته.
ستظل حرب أكتوبر نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث، ليس فقط بسبب استعادة الأرض المحتلة، بل أيضا بفضل الروح الوطنية التي تجسدت في تلاحم الشعب مع قواته المسلحة وبما قدمه أهالي سيناء، من دعم وتضحيات، وكانوا جزءا أساسيا من هذا النصر العظيم، وقدموا نموذجا فريدا للوطنية والشجاعة واليوم، وبعد مرور أكثر من واحد خمسين عاما على هذا الحدث التاريخي، ستظل تضحيات أهل سيناء مصدر إلهام للأجيال القادمة، ليس فقط في مجال الوطنية، بل أيضا في كيفية مواجهة التحديات بروح من التعاون والشجاعة وان سيناء كانت وستظل جزءا لا يتجزأ من روح مصر، وأهلها سيبقون دائما في قلب الدفاع عن الوطن.