مهما قرأت من حكايات وروايات، ستظل فى جعبة نصر أكتوبر رويات لم تحكى وحكايات لم تروى، فكل جندى مصرى قام خلال المعركة بما لا يصدقه عقل ولا يدركه منطق ولا فعله بشر من قبل، لدرجة أن الكليات والأكاديميات العسكرية بالعالم غيرت الكثير من مفاهيم استراتيجيات الحرب لديها، بل قامت بوضع حرب أكتوبر وتدريسها ضمن مناهجها الدراسية، بعد أن أذهل الجيش المصرى العالم أجمع بما قام به جنوده من بطولات تفوق العقل والخيال، فضلا عن التخطيط المحنك والإعداد العسكرى الجيد والدهاء والمكر وخطة الخداع الطويل، والتى غررت بأقوى أجهزة المخابرات بالعالم، وأعطتها درسا لن تنساه.
استراتيجية إسرائيل العسكرية كانت تقوم على إنشاء الدفاعات الأرضية والحصون القوية بكثافة، والاختباء خلفها، لتقليل الخسائر فى جنودها قدر الإمكان، وعدم تحملها حربا برية بين جيشين لفترة طويلة، خاصة أن أكثر من ربع جيشها من الاحتياط، لذلك أنشأت 3 حصون دفاعية تحول بين الجيش المصرى والعبور إلى سيناء، حيث هناك مجرى مائى ملغم بالنابالم الحارق، ومن بعده ساتر ترابى كان انحداره مقصودا من العدو، حيث كان ارتفاعه 22 مترا، وينحدر بزاوية 45 درجة لتصعيب مهمة تسلُّقه، وفى داخله أنشأ العدو 20 نقطة حصينة، وضع فوقها مصاطب ثابتة للدبابات، فكان صعوده صعبا للغاية، فما بالك بجندى يحمل فوق ظهره "مخلته" وسلاحه، ما يعنى أن تسلقه ضربا من ضروب المستحيل، فكان خط بارليف أقوى خط دفاعى فى العالم وقتها، وهو ما كانت إسرائيل تطمئن إليه، وتركن إلى استحالة حدوث عبور من قبل الجيش المصرى، ولكن، عندما دقت الساعة الثانية إلا 5 دقائق، جاءت اللحظة المنتظرة، فانطلق جنود مصر كالأسود، لم يقف أمامهم مانع مائى أو ساتر ترابى أو نقاط خط بارليف الحصينة، فكان كل جندى يفعل ما لا يمكن تصديقه، معجزات كثيرة قام بها أبطال مصر، كسروا بها المستحيل، وتغلبوا على كل الصعوبات، لم يروا أنهم فى مهمة مستحيلة، بل كان ما يهم كل منهم أن يصل إلى مبتغاه ويسترد كرامته، ويحرر أرضه، ويكسر شوكة عدو مغتصب مغرور، فرأينا كثيرا من الحكايات والحواديت عن كيفية مواجهة المقاتل المصرى بما يمتلكه من سلاح لم يكن الأحدث أو الأفضل فى العتاد الحربى، للعدو الإسرائيلى المدجج بأحدث الأسلحة المتطورة، المرسلة إليه من خزائن الأسلحة فى أوروبا وأمريكا، وتفوق الجندى المصرى فى كل المواجهات المباشرة، بعزيمته وقوته ورغبته فى تطهير تراب الوطن الغالى من الغاصب المحتل.
كثيرة وعديدة هى الحكايات والحواديت التى تروى عن بسالة وشجاعة المقاتل المصرى فى ملحمة أكتوبر، ونجاحه فى كشف زيف ووهم مقولة "الجيش الذى لا يقهر"، التى تعمدت إسرائيل أن تروج لها لتفت عضد المقاتل المصرى، وتصدر السلبية إلى روحه المعنوية، ولكن هيهات، فلم تكن السنوات الست التى امتدت منذ هزيمة يونيو 1967 التى حدثت بسبب عشوائية وفوضى فى اتخاذ قرارات خلال الحرب، مما أدى عدم التقدير الدقيق للوضع القائم على أرض المعركة فكانت النكسة، التى لم يأخذ المقاتل المصرى فرصته القوية فى القتال والاشتباك خلالها، ولذلك لم تكن تلك السنوات هينة أو سهلة على الجندى المصرى، حيث مرت عليه وهو يعض على نواجذه غيظا وحنقا، يشبه الأسد المحبوس يزأر فى قفصه، ويترقب ساعة الخروج ليشاهد الجميع قوته الحقيقية وما يمتلكه من بأس وصلابة، وليخرس كل الألسنة التى غمزت ولمزت طاعنة فى شجاعته وكبريائه فكان يستعجل الأيام ويتوق إلى نزال آخر، يثبت فيه أنه الأقوى شكيمة، والأشد صلابة، وكان السؤال المكرر من الجنود لقادتهم "امتى هنحارب يا افندم؟".
كل عام تأتى ذكرى نصر أكتوبر المجيد، ويسرد من بقوا على قيد الحياة "أطال الله أعمارهم" من الأبطال والمقاتلين، قصصا تفوق الخيال، وروايات تتخطى العقل، عن بسالة وشجاعة وفدائية المقاتل المصرى، قصصا وحكايات لا تنضب ولن تنضب عاما بعد عام، وفى كل رواية نجد قصة جديدة وتضحية عظيمة، وبطولة خارقة، ما يؤكد أن بئر العطاء والفدائية لن يجف، وأن ما روى وسيروى عن أفعال أبطال الجيش المصرى خلال حرب أكتوبر، قليل من كثير حدث، فما قام به جنود مصر البواسل كان عظيما، ومهما كثرت الروايات فهناك الكثير، بل إن تراب سيناء الطاهر وارى كع الأجساد الطاهرة، حكايات وبطولات أكبر وأكثر مما روى ومما قص.