فاجأ الرئيس السادات العالم، بإعلانه أنه على استعداد للذهاب إلى إسرائيل، وقال فى خطابه أمام جلسة مجلس الشعب يوم 9 نوفمبر 1977: «إننى على استعداد حتى للذهاب إلى آخر نقطة فى العالم سعيا إلى السلام العادل، ومن أجل أن لا يقتل أو يجرح أى من أبنائى الضباط والجنود، بل إننى على استعداد للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلى ذاته، لأننا لا نخشى السلام ولأننا أيضا لا نخشى المجابهة مع إسرائيل»، حسبما يذكر إسماعيل فهمى وزير الخارجية فى مذكراته «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط».
بدا كلام السادات غريبا، ما أدى إلى الاعتقاد بأنه مبالغة حماسية أثناء الخطاب، وكان ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ممن حضروا هذه الجلسة، ويذكر فهمى: «لم يعن هتاف النواب أنهم اعتقدوا أنه ينوى الذهاب فعلا، وكان عرفات أكثر المصدومين وسألنى: ما معنى هذا الكلام؟ هل يتعمد هذا القول فى حضورى؟ هل دعوتمونى لأسمع هذا الكلام؟
فرض الحدث نفسه على المناقشات التى دارت فى كواليس اجتماعى مجلس وزراء الخارجية العرب فى تونس يوم 12 نوفمبر 1977، وحسب محمود رياض أمين عام جامعة الدول العربية وقتئذ فى مذكراته «البحث عن السلام.. والصراع فى الشرق الأوسط»: «سألنى وزير خارجية سوريا عبدالحليم خدام عن مغزى إشارة السادات إلى إمكانية زيارته للقدس، فأجبته بأنها مجرد عبارة عابرة، وقلت متسائلا: هل تتخيل حقا أن هذا يمكن حدوثه؟».
يكشف «رياض»: «ظل الشك يراود خدام حتى انضم إلينا إسماعيل فهمى الذى أصر على أن كلمات السادات كانت لمجرد تأكيد رغبة مصر فى السلام، ولا تحمل إطلاقا معنى استعداده للذهاب إلى القدس، وعندما انضم إلينا آخرون من وزراء الخارجية، كرر فهمى نفيه القاطع للزيارة».
ويؤكد «فهمى» فى مذكراته، أن هذا الاجتماع شارك فيه - ولأول مرة - واحد وعشرون من اثنين وعشرين من وزراء الخارجية العرب، وأن الحديث كثر فى دهاليز المؤتمر حول نوايا السادات، وأشيع أنه لا شك ذاهب إلى القدس، لكن فهمى نفى كل ذلك مؤكدا أن مصر ملتزمة بأن السلام إن لم يكن شاملا، فإنها سترفض عودة سيناء حتى لو قدمتها إسرائيل على طبق من ذهب.
وبينما كان فهمى ورياض يؤكدان فى تونس أن كلام السادات «مجرد عبارة عابرة»، كان هو يذهب عكس اعتقادهما، ويكرر كلامه بصورة أوضح، وذلك أثناء لقائه مع 12 عضوا من «لجنة خدمات التسليح الأمريكى» بالكونجرس الأمريكى فى 12 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1977، بالقاهرة، حسبما تذكر «الأهرام» يوم 13 نوفمبر 1977 فى تغطيتها للمناقشات التى دارت بين الأعضاء والسادات أثناء اجتماعهم، وكانت القضية التى فرضت نفسها هى إعلان الرئيس استعداده للذهاب إلى الكنيست.
تذكر «الأهرام» أن السادات قال إنه على استعداد للذهاب إلى الكنيست، وأضاف: «بل وعلى استعداد للبقاء يومين أوثلاثة لأناقش جميع الأعضاء فى حقوق الأمة العربية، ولكنى لا أرى مؤشرات ترحيب»، وسأله أحد الأعضاء: «هل استلمت دعوة رسمية بهذا الخصوص من مستر بيجين؟، رد: «لا، لا»، وقال: «سأعطى مستر بيجين كل الوقت الذى يريده، ولكن علينا ألا نضيع كثيرا من الوقت، إننى على استعداد للذهاب هناك، عندما يكون على استعداد لاستقبالى، وعليهم أن يرتبوا لاجتماع هناك مع كل الأعضاء فى الكنيست وعددهم 120 عضوا».
وسئل السادات: «هل توقع على اتفاق منفرد مع إسرائيل؟، فأجاب: «لمصر مسؤوليتها التاريخية فى العالم العربى والمنطقة، فإذا أرادوا التوصل معنا لاتفاق، فلماذا لا يكون أيضا مع العرب؟ وبكل وضوح وصراحة لا يمكننى توقيع اتفاق منفرد مع إسرائيل، فالمشكلة برمتها ليست مشكلة مصرية، وإنما مشكلة عربية، ولذلك طلبت من وزير إعلامى الرد على مستر بيجين، فلماذا يتحدث بيجين إلى الشعب المصرى وحده، لماذا لا يخاطب العالم العربى؟».
وسئل السادات: هل اقتراحك بالذهاب إلى الكنيست مجرد رمز وتعبير عن الرغبة إلى التوصل للسلام؟ أم أنك تعنى ذهابك حقيقة إلى الكنيست؟ أجاب: كنت واضحا جدا، فقبل حرب أكتوبر 1973 بسنوات قلت إننى على استعداد للذهاب إلى نهاية العالم إذا تمكنا من التوصل إلى السلام، وعندما أقول إننى سأذهب إلى الكنيست لا يعنى ذلك مفاوضات ثنائية بل لقاء عام ينقله التليفزيون والإذاعة إلى كل دول العالم، وأنا فى هذا الاقتراح أمثل مصر فقط التى تمثل ثلث العالم العربى، ولا أستطيع أن أطلب من أى من زملائى فى العالم العربى أن يقدم على ذلك».
بعد أربعة أيام من هذا الاجتماع وبالتحديد فى يوم 16 نوفمبر 1977 وصلت دعوة مناحم بيجين رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى السادات، وفى 19 نوفمبر نزل بطائرته فى مطار «بن جوريون» وفى 20 نوفمبر خطب أمام الكنيست الإسرائيلى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة