يبدو أن عامل التوقيت كان أبرز الملامح التى اتسمت بها القمة العربية الإسلامية التى عقدت فى الرياض، ليس فقط فى إطار تزامنها مع ظروف إقليمية على وشك الانفجار، وإنما فيما يتعلق بتزامنها مع مستجدات دولية ترتبط بمستقبل العالم، وفى القلب منه منطقة الشرق الأوسط، وأهمها إعلان فوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليبدأ مرحلة جديدة، ستحمل اختلافا عن السياسات التى تبنتها الإدارة المنتهية ولايتها، برئاسة جو بايدن، والتى لم تحقق نجاحا كبيرا فى فرض رؤيتها على حكومة بنيامين نتنياهو، حول ملفات وقف إطلاق النار وإنجاز صفقة الرهائن المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، وهو ما يعكس أحد أهم الأسس التى بنيت عليها القرارات الصادرة عن القمة.
ولعل الحديث عن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وتأثيره المباشر بمسار الأوضاع فى غزة، ولبنان، ومن ورائهما مستقبل القضية الفلسطينية، يبدو محوريا فيما آلت إليه القمة العربية الإسلامية من مخرجات، ربما أبرزها تقديم رسالة تتجاوز الإقليمية المحدودة، القائمة على الجغرافيا، نحو ما يمكننا تسميته بـ"تحالف الهوية" على أساس اللغة والثقافة والدين، لدعم فلسطين، وحقوق شعبها، والتأكيد على التمسك بالشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين، مع الرفض المطلق والكامل لمخططات الاحتلال الإسرائيلى الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية، عبر تهجير سكان القطاع أو فصله عن الضفة، وهو ما يساهم بصورة كبيرة فى تعزيز الحق الفلسطينى، عبر إضفاء المزيد من الزخم لما يحظى به من شرعية دولية.
والملاحظ عند القراءة المتأنية للقرارات التى آلت إليها القمة العربية الإسلامية، أن ثمة تحولات مهمة من لغة الإدانة والشجب لكافة الانتهاكات والجرائم التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى، وإن كانت متواجدة بين العديد من البنود، نحو خطوات عملية، تعتمد الحشد الدولى، لدعم الشرعية، عبر العمل على تعزيز حق فلسطين فى الحصول على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، من جانب، مع العمل على فرض إجراءات عقابية بحق الاحتلال وحكومته، تتجسد فى العديد من المسارات، أولها تجميد مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما يقوم الثانى على الملاحقة الدولية لمسؤوليه عبر استصدار أوامر اعتقال بحق المتورطين منهم فى جريمة الإبادة الجماعية.
وبالنظر إلى الجانب العملى من قرارات القمة، نجد أن الجزء الأول منها، والقائم على دعم عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة، بمثابة امتداد صريح لما آلت إليه القمة الأولى والمنعقدة فى جدة، قبل عام كامل، والتى خرجت منها لجنة وزارية تحركت بجدية نحو دعوة دول العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم حقوقها فى هذا الإطار، بينما يبقى الجزء الثانى، والذى اعتمد آلية سياسية – قضائية، ضد الاحتلال وحكومته، فهى تمثل استجابة صريحة للدعوة التى سبق وأن أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القمة الأولى، عندما دعا صراحة إلى تطبيق مبدأ المحاسبة، وهو المبدأ الذى يمثل العنوان الرئيسى لقمة الرياض.
الانسجام بين الرؤى المصرية وقرارات القمة، تجلى فى العديد من المشاهد الأخرى، التى تراوحت بين رفض التهجير تارة ورفض دعوات فصل القطاع عن الضفة، ومرور المساعدات الإنسانية، وهى العناصر التى نادت بها القاهرة منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، وهو ما يعكس التمسك بمركزية القضية الفلسطينية، بعيدا عن محاولات الاحتلال لتحويل الانتباه العالمى بعيدا عنها، لصالح ما يمثله القطاع من تهديد لها، على خلفية طوفان الأقصى، والذى سعت حكومة نتنياهو لاستغلاله لمواصلة عملية إبادة واسعة تحت ذريعة الدفاع عن النفس.
قوة القرارات الصادرة عن القمة تجاوزت رصانة الصياغة، عبر ما حملته من رسائل للعالم، بينما كانت هناك رسالة خاصة للولايات المتحدة، باعتبارها الداعم الرئيسى للاحتلال، مع اقتراب حقبة جديدة، تنتظر عودة ترامب مجددا إلى البيت الأبيض، فى ضوء الاختلافات الجذرية فى المعطيات الدولية، إذا ما قورنت بحقبته الأولى فى ظل عدم ملاصقتها زمنيا لولايته الثانية، فالفاصل بينهما 4 سنوات، شهدت الكثير من التفاصيل، أهمها توجس الحلفاء الأوروبيين من سياسات الإدارة الجديدة، ناهيك عن الانقسام الحاصل أساسا بين أوروبا وأمريكا، جراء الاختلاف حول إدارة الأزمة الأوكرانية، وحتى فيما يتعلق بفلسطين، بالإضافة إلى البعد الشعبوى الذى يمثل حجر الزاوية الذى يبنى عليه ترامب شعبيته، خاصة فى الداخل الأمريكي.
وهنا يمكن القول بأن قرارات القمة العربية الإسلامية تحمل دفعة جديدة من الزخم للقضية الفلسطينية، عبر تجديد شرعيتها أمام العالم، وهو ما يضع واشنطن فى خيارات صعبة، تدور حول ما إذا كانت ستتبنى نهجا متوازنا يضمن لها استعادة قدر من النفوذ فى المنطقة، أو مواصلة النهج المتحيز ما يترتب عليه من تداعيات، أبرزها تصاعد الدور الذى قد يلعبه منافسوها فى المرحلة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة