عزيزى القارئ.. لعلك تستغرب من هذا العنوان وتتساءل لماذا لدينا هدر فى الفن التشكيلى؟
فى حقيقة الأمر أن نشأة الفن التشكيلى فى مصر تعود إلى القرن 19 لكن لأننا ليس لدينا سيرة واضحة لتاريخ هذا الفن فإننا فقدنا منه الكثير، لوحات وسير فنانين، لذا فمعظم المؤرخين يبدأون تاريخ الفن التشكيلى فى مصر فى القرن العشرين، وللأسف مازال هذا مستمرا إلى اليوم، وقد كان لى محاولة مع نقابة الفنانين التشكيليين لإقامة مركز توثيقى يوثق ويمنح شهادات الأصالة للوحات المصرية، لكن لم يتم استيعاب ما طرحته، فكل فنان فى مصر مبدع هو قيمة مهدرة، لأنه لا يجرى توثيق أعماله وإصدار شهادة أصالة للوحاته، وكان هذا محل اتفاق فى نقاش دار بينى وبين الفنان القدير الدكتور أحمد نوار.
ماذا يعنى كل ماسبق؟
يعنى أن لدينا فن وفنانين مبدعين لكننا فاشلون فى تسويقهم وتسويق إنتاجهم، فسوق الفن المعاصر فى العالم دائم النمو، ووصل دوران رأس المال فيه فى عام 2022 إلى 2.7 مليار دولار وهذا هو الرقم المعلن، إذ هناك عمليات لا يجرى الإفصاح عنها، هذا الرقم الضخم حصة مصر منه محدودة للغاية على الرغم من أن طليعة الفنانين المصريين لوحاتهم عليها إقبال من متاحف الفنون، لذا فإن المطلوب هو إقامة مركز توثيق وإصدار شهادات أصالة للوحات فى مصر، على أعلى مستوى، هذا ما سيدفع لوحات الفنانين المصريين إلى العالمية بل سيزيد من قيمة لوحاتهم، فالفوضى تعم فضاء الفن التشكيلى فى مصر، هذا يتطلب توثيق البصمة الرقمية لكل لوحة فى متاحف مصر وكل لوحة ينتجها فنان مصرى، وهذا ما يمنع السرقة والتهريب، ويزيد قيمة اللوحات الفنية المبدعة فى مصر، ليتبقى السؤال ما هى شهادة الأصالة؟
هى شهادة مرتبطة بكل لوحة فنية، وعادة ما تكون بياناتها شاملة بحيث تؤكد أصالة اللوحة وتضم هذه البيانات ما يلى:
اسم الفنان، اسم اللوحة أو العمل الفنى، أبعاده، تسلسل الملكية، تاريخ الإنشاء، الأماكن التى عرضت بها، صورة اللوحة، توقيع الفنان، سياق العمل، المواد المستخدمة.
عادة ما يكون في ظهر كل لوحة ملصق يحتوى على المعلومات الأكثر أهمية، ورمز إستجابة سريعة.
من يصدر شهادة الأصالة؟
لا توجد جهة محددة فى مصر تصدر هذه الشهادة، وإن كان هناك محاولات متعثرة هنا وهناك، ووجود مركز مختص يصدر هذه الشهادات سيجعل صالات الفنون والمزدات الفنية تزدهر فى مصر، كما أن المعارض الفنية وصالات المزدات فى العديد من الدول ستتسارع فى عرض اللوحات المصرية، وهذا ما سيعطى أجيال الشباب من الفنانين فرصا فى الصعود على الساحة الدولية، ينتج عن هذا ثقة بين الفنان والمعرض والمشترى، وزيادة فى جاذبية العمل، خاصة إذا تم بيان كيفية العناية بالعمل الفنى، شهادة الأصالة تتطلب تكوين جيل جديد من النقاد الفنيين والخبراء، وهذا ما تفتقده مصربصراحة واضحة، إذ لا يوجد لدينا هؤلاء، فمصر يجب أن تبني هؤلاء وفق برامج محدده، مع بناء قواعد بيانات متكاملة للفن التشكيلي في مصر، لكن بنك المعلومات هذا والنقاد ماذا يجب أن يكون لديهم لاصدار شهادة أصالة لأى لوحة فى مصر؟
يجب أن يكون لديهم المعلومات التالية..
من المفيد التعرف على الفنان وأسلوبه الفنى والتعرف على لوحاته، وسيرته الذاتية، والمعارض والمتاحف التي تعرض أعماله، ومن يقتني أي من لوحاته، ومن هنا يبدأ تقييم العمل الفني.
تسلسل ملكية اللوحة وهو ما يعرف (بالمصدر) وهذا يعني أنه تم تداولها عبر سلسلة متواصلة تنفي سرقتها وتؤكد عدم تزويرها، ويجب أن يضم التسلسل فواتير البيع وكتالوجات المعارض وسجلات المزادات، وهذا كله يكون مرفقا مع شهادة الأصالة.
توقيع الفنان مع ضرورة مقارنته بتوقيعاته الأخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الفنانين يغيرون توقيعهم بمرور الزمن وفي مراحلهم الفنية المختلفة.
فحص مواد اللوحة كالقماش والألوان وما إذا كانت متسقة مع المواد المعروف استخدامها من قبل الفنان، كاستخدامه ألوان زيتية، فيما تبدو اللوحة منفذة بمواد أخري، وهذا قد يكون لتزوير كاشفا اللوحة.
هنا سنرى معطيات جديدة نرى منها اقتصاديات الإبداع هذا الجانب التائه فى مصر والمفتقد بقوة.