تمر اليوم الذكرى التاسعة على رحيل الروائي الكبير إدوارد الخراط، إذ غاب عن عالمنا فى 1 ديسمبر عام 2015، عن عمر يناهز 89 عامًا، وهو أديب تميز بتنوع إنتاجه الأدبى ما بين الرواية والقصة القصيرة والترجمة والنقد الأدبى، واشتهر صاحب "رامة والتنين" أنه ينتمى للتيار الذى يرفض الواقعية الاجتماعية، والذى جسدها نجيب محفوظ فترة الخمسينيات، وكان لا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات ويرجح الرؤية الداخلية.
قال الأديب الراحل إدوارد الخراط في حوار نشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي أكتوبر 2006، حول هل ترك الأديب العالمي نجيب محفوظ ثغرة في الثقافة العربية بعد رحيله: "الإجابة لا، لأنه ببساطة هناك الكثيرون ممن يسيرون على الدرب الذي رسمه نجيب محفوظ في العمل الروائي الذي نسميه عادة العمل الواقعي الذي اهتم بالموضوعات الاجتماعية بالخصوص أو بالدرجة الأولى، لهذا فلا أعتقد أن هناك ثغرة، صحيح أنه مهد الطريق أمام أجيال لاحقة مختلفة، وله فضل، لا أريد أن أقول الريادة، لأن الريادة كلمة تعني أشياء كثيرة، له فضل تمهيد هذا الطريق، لكن بعد ذلك جاءت أجيال متلاحقة من الكتاب والأدباء الذين شقوا مسارات مختلفة، طبعا يدينون جميعا بالفضل لمن شق الطريق لهم، خصوصا مع ذيوع صيته وشهرته من بين كتاب من مجايليه أو من سبقوه ممن يفوقونه مقدرة و أصالة، وتحضرني الآن أسماء مثل إبراهيم عبد القادر المازني ويحيى حقي وغيرهما، لكن نجيب محفوظ كان له من ذيوع الشهرة ما لعله ترك أثرا لا أقول سيئا، بل أقول أكثر مما يستحق إسهامه الفعلي".
وفي مقال بعنوان "إدوار الخراط.. أنت معنا" قال الروائي أحمد الخميسي، أن "الخراط" روج لفكرة "الحساسية الجديدة" في الأدب بعدة مقالات، جمعها في كتابه "الحساسية الجديدة" عام 1993، وكانت ردا على الواقعية النقدية التي كان نجيب محفوظ وغيره يمثلونها، وكان يعني بتلك الحساسية الجديدة الطرق الفنية والرؤى التي تختلف عن الأدب الواقعي السابق، لكن المصطلح الذي استخدمه الخراط، ومن قبله د. لويس عوض ظل فضفاضا إلى حد كبير. ومع أن الكاتب الكبير كان دمثا للغاية ويبدو شديد التواضع، إلا أنه في دخيلته كان مشبعا بالاعتزاز بنفسه وبدوره، ويتضح ذلك من حديث له في البرنامج التلفزيوني "صباح الخير يا مصر" بعد فوز نجيب محفوظ بنوبل، حين قال الخراط: "الوحيدان اللذان يستحقان نوبل هما أنا وأدونيس، أما نجيب محفوظ، فموهبته متوسطة!".
فيما ذكر الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف، في مقال سابق له، إن إدوارد الخراط، كان يرى في نفسه الأحق بجائزة نوبل التي حصل عليها نجيب محفوظ فقط من الكُتاب العرب، قائلا: "أن ذكر فى حوار له فى صباح الخير يا مصر مع عبد الوهاب داوود بعد حصول محفوظ على نوبل (الوحيدان اللذان يستحقان نوبل هما أنا وأدونيس أما نجيب محفوظ فموهبته متوسطة).
وفي تصريحات سابقة لـ "اليوم السابع" أكد الناقد الكبير شعبان يوسف، أن إدوارد الخراط نفسه وقتما فاز نجيب محفوظ بنوبل، كان أصبح له مدرسة خاصة، وله حواريون، مشيرا إلى إنه ربما الاستبعاد الذى عانى منه إدوارد الخراط، ترك مرارة بداخله، وحول إذا كان إدوارد الخراط قد ترشح لنوبل، وكان هذا سببا فى غيرة صاحب "حيطان عالية" من نجيب محفوظ، أكد الناقد الكبير شعبان يوسف، بأن ربما ترشح إدوارد عن طريق إحدى الجهات المنوطة بترشيح بعض الأسماء، مثل اتحاد كتاب مصر، لكنه لا يعتقد بأن يكون قد دخل فى قوائم الفرز النهائية، وإن حدث فالأمر يكون سرا.
وأتم شعبان يوسف أن إدوارد قبل جائزة نجيب محفوظ فى عام 1999، كتب مقالا بديعا عن نجيب محفوظ فى مجلة المجلة عام 1963، لكنه ربما الاستبعاد جعله يشعر بمرارة، جعلته حادا تجاه الكتابة الواقعية.
وفي لنجل صاحب "راما والتنين" الدكتور إيهاب الخراط، تحدث عن علاقة والده مع صاحب نوبل، قائلا: " يقول إيهاب الخراط: والدي كان ينظر إلى الأدب من واقع المدرسة الحساسية الجديدة أو الحداثة، ويرى أن أعمال الأديب الراحل نجيب محفوظ تنتمي للمدرسة الواقعية، التي تجاوزها الزمن، مؤكدًا أنه كان يحب أديب نوبل على المستوى الشخصي وقرأ جميع أعماله، وكان بمكتبته ركن خاص بتلك الأعمال، لكن كل ما في الأمر أنه كان يعتقد أن الذائقة الأدبية العربية يجب أن تتجاوز مرحلة الواقعية إلى الكتابة عبر النوعية "الحداثة أو الحساسية الجديدة".
وأوضح "الخراط" أن هناك فرقًا بين منظور الكاتب أحمد مراد الذي يكتب قصصًا مشوقة ذات طابع بوليسي، ووالده الذي كان يحب تلك النوعية ويعتبرها تسلية جميلة، وتحتاج موهبة خاصة أن تظل محتفظًا بانتباه القارئ عبر التشويق البوليسي، فهذا هو منظور "مراد" أن نجيب محفوظ كان يتناول الموضوعات بأدوات عصره، لكن إدوار الخراط كان رأيه أن أديب نوبل يجب أن يتجاوز تلك الأدوات إلى أخرى تجريبية أو طليعية أكثر، ترى الخبرة الإنسانية على عدة مستويات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة