مثلت السكة الحديد تغييرًا نوعيا للحياة في مصر، إذ كانت سببا في ربط العديد من المدن ببعضها بسهولة الانتقال في زمن قياسي بينها، فضلا عن أنها كانت أداة لنقل المنتجات من وإلى، وساهمت في زيادة صادرات مصر من الحاصلات الزراعية وغيرها من المنتجات المصرية، وأضف إلى نمو حركة السياحة لمصر عبر ميناء الإسكندرية، حيث تأتي السفن البخارية من أوروبا، هذه الحركة التي بدأت كاستراحة للذاهبين للهند والشرق ثم تطورت مع الاكتشافات الأثرية رويدا رويدا لتصبح غايتها الاستمتاع بطقس مصر حتي اشتهرت حلوان كمشتي صحي، ثم زيارة آثار الفراعنة التي بدأ الولع بها ينتشر في كل أرجاء أوربا، صاحب هذا كله سلسلة من الفنادق الحديثة التي صار بعضها مقصدا في حد ذاته مع الزمن مثل فندق شبرد.
لم تكن السكة الحديد نتاجا مفردا لعملية تحديث مصر، بل جاءت في سياق تحديثي إذ أدخلت لمصر العديد من الصناعات بصورة جديدة، كان منها علي سبيل المثال لا الحصر، مسبك الحديد في بولاق الذي شيد على أحدث نظم عصره، وتكلف آنذاك مليون ونصف مليون فرنك، صممه مستشار محمد على جالوى وهو مهندس ميكانيكا إنجليزى، فكان على غرار مسبك لندن، وكان يعاونه 5 من الإنجليز و3 من مالطة كرؤساء للعمال والتحق به 40 مصريا وزعوا على أقسامه المختلفة، كان يصب في هذا المسبك يوميا 50 قنطارا من الحديد المعد لصناعة الآلات والمراكب، فصنعت به آلات كبس القطن والآلات البخارية وآلات لعصر وتكرير السكر، كان توماس جالوي أقنع محمد علي باستخدام الآلات البخارية في مضارب الأرز توفيرا للنفقات فاقتنع الباشا وشيدت حينئذ ثلاثة مضارب تعمل بالبخار بدأ أولها في رشيد.
كان هذا المسبك هو أحد الركائز التي اعتمد عليها في مشروع سكك حديد مصر إذ أمدها بالعديد من مستلزمات المشروع، وهو ما أعطي العاملين به خبرات اضافية جعلت العديد منهم ينتقل لصيانة القاطرات والعربات بل وتصنيع العربات لاحقا، أدت السكة الحديد لتوظيف مئات المصريين ممن عملوا فيها نتيجة سياسات التعليم في عصر محمد علي وخلفاؤه ومن المدارس التي التحق خريجوها بها : مدرسة الادارة الملكية 1934 ، ومدرسة المعادن 1934 م، والهندسة 1835 م ، والألسن سنة 1835 م ، والمحاسبة سنة1837 م ، والعمليات ( الصنائع ) سنة 1839 م . تكاملت اذا الادوات المصرية لادارة السكة الحديد في مصر.
لكن تواكب مع هذا نمو حركة البريد البريطاني عبر مصر للهند ومستعمرات بريطانيا في شرق أفريقيا والخليج العربي واليمن فضلا عن نمو التجارة الداخلية وحركة التصدير من مصر ، هذا البريد الذي كانت مصر أقصر الطرق له وأوفرها، فضلا عن المنتجات الصناعية البريطانية الصاعدة بقوة والتي بحاجة لأسواق لتصريفها مع تكاليف نقل زهيدة، فضلا عن الولع بالسياحة لمشاهدة أثار قدماء المصريين، كان محمد علي سمح بمرور البريد والمسافرين الإنجليز عبر الأراضي المصرية هذا ما أدي مع الوقت إلي نمو متزايد في الحركة عبر مصر طبقا للاحصائيات:
عدد المسافرين السنة
275 1844
2100 1845
3000 1847
هذا ما جعل مصر محط نظر الجميع، فقد كانت مصر تأخذ بأسباب التقدم لذا ومن ذلك خدمة التلغراف التي تواكبت مع نمو حركة النقل عبر مصر ونمو الحاجة للموصلات مما تطللب خدمة نقل الرسائل السريعة والذي أفاد بقوة حركة التجارة ، لم تعرف مصر التلغراف الكهربائي قبل 1854 م ، ولكن في عصر محمد علي ، وجد نظام الرسائل البرقية بالاشارات ، ففي عهده بني خط من 19 برجا من رأس التين بالاسكندرية إلي القلعة في القاهرة ، وكانت الرسائل تصل في 45 دقيقة وهذه الخدمة خاصة بالسلطة، وفي سنة 1840 م بني خط أخر وعلي أثر افتتاح خط السويس لنقل البريد البريطاني وتزايد حركة السفر عليه، بني خط أخر مكون من 16 برجا من القاهرة إلي السويس، لارسال الرسائل عن حركة السفن والمسافرين بين القاهرة والسويس، وفي عهد سعيد باشا، أدخل التلغراف الكهربائي في مصر مع خطوط السسكك الحديدية، وأول خط تلغرافي افتتح في مصر 1854 م ، في نفس الوقت الذي أنشيء فيه خط حديد القاهرة الاسكندرية وبعد ذلك أخذت تمد خطوط أخري ، وبلغ طول تلك الخطوط في سنة 1863 م أوائل عصر اسماعيل ، وزيدت إلي 5200 كيلو متر من التلغراف في عهده، فأصبحت مصر مترابطه بشبكة من خطوط تلغراف . ودخلت شركات خاصة في تقديم خدمات التلغراف ، واتصلت مصر خارجيا بواسطة الخطوط التلغرافية، فاتصلت بأوربا عن طريق خط يسير من خلال سوريا وأسيا الصغري إلي استنبول ، كما كان هناك خط تلغراف أخر ربط مصر بمالطة وصقلية ثم أوربا، وخط أخر يربط مصر بعدن والهند والشرق الأقصي.
كان الخديوى إسماعيل في سنة 1868 م قد أنشأ فرقة لتعلم فن التلغراف تابعة للمدارس الملكية ولكنها ألغيت في سنة 1869 م ، تخرج منها 30 تلميذا ثم سرعان ما أعيدت مرة أخري وألحقت بمدرسة الفنون والصنائع تحت إشراف ناظرها، في سنة 1890 م صدر قرار من نظارة المعارف يقضي بتعليم تلامذة تلك الفرقة أصول الكيمياء والطبيعة مطبقة علي فن التلغراف والألات التلغرافية والتليفونية مع تدريس الخط العربي والأفرنكي واللغتين العربية والفرنسية والخط العربي ومن عام 1891 م إلي 1907 م تخرج منها 593 خريج وفي سنة 1907 م استقلت وألحقت بمصلحة التلغراف.