داخل مئات المبانى الأثرية بحى الجمالية، ورش تبوح بأسرار الحرف العتيقة وتفاصيل الماضى العظيم، ما بين تبييض النحاس، وصناعة الخيامية، وتشكيل المشغولات الفضية والنحاسية، يبدع صناع وحرفيون ورثوا الصناعات اليدوية أبًا عن جد وحافظوا عليها على اختلاف أنواعها، واحتلوا فيها موقع الصدارة بتنوعها وغناها وتفردها من حيث إتقان الصنعة ومراعاة تفاصيلها وثراء زخارفها وجودة تنفيذها.
ففي درب قرمز الجمالية من شارع المعز، وعند ورشة محمد عبد المحسن، صاحب الـ47 عامًا، تجد تحفًا فنية من المشغولات النحاسية، تعكس المهارات والفنون التقليدية المتقنة للحرفيين المصريين، وتجذب الأنظار بجمال تصميماتها ولمعتها الخاطفة، صنعتها أنامل مبدعة بدقة ومهارة وحرفية، مجسدة الصناعات اليدوية والفنون التراثية في أبهى صورها.
سبرتاية نحاس
عكست صناعة منتجات النحاس هوية "محمد" وثقافته منذ الطفولة، وباتت إرثًا فنيًا ثمينًا من بقايا الزمن الجميل، حافظ عليه من بعد والده: "تعلمت المهنة على يد والدي منذ أن كنت في العاشرة من عمري، فبجانب الدراسة كنت أذهب معه إلى المصنع وأعمل، الفضل يرجع له في كل ما وصلت له اليوم في الصناعة، علمني كل شيء يخص النحاس والفضة، النقش، والخراطة، واللحام، والسمكرة، والتلميع، وكل مراحل التصنيع بداية من الخامة وصولًا للتشطيب، واحترفت الحرفة على مدار السنين، وتشكيل النحاس هواية وعشق قبل أن يكون مهنة".
تشكيل منتجات النحاس
"ما بين مراحل الخراطة والسمكرة واللحام والتلميع والتشطيب، يبدع الحرفيون في صناعتهم بمهارة ودقة وإتقان وحرفية، والسر حب المهنة: "حبي للمهنة هو ما ساعدني على تعلمها وإجادتها، والمهنة تستحق الحب، تعتمد على الدقة والمهارة والخبرة والذوق الرفيع، وتحتاج لمن يحبها ويصبر عليها، ونحن نصنع كل منتجات النحاس، براد الشاي، والكنكة، والسبرتاية، والأطباق، والحلل، والصواني، والبراويز، وجميعها صناعة يدوية بأيدينا، زبائنها من مختلف المحافظات والدول، فـ"دلة" القهوة تصنع هنا وتسافر إلى السعودية".
منتجات نحاسية
كل مراحل التصنيع تتم داخل الورشة الصغيرة، على أيدي حرفيين مهرة، يبدعون في تطويع النحاس وتشكيله بروح شرقية تراثية بعيدًا عن الآلات الحديثة: "يعمل في الورشة عدد من الحرفيين، يتقاسمون العمل سويًا لإخراج قطعة النحاس في شكلها النهائي، ولكل منهم مرحلته الخاصة، فهناك الخراط، والنقاش، واللحام، وآخر مسؤول عن التلميع والتشطيب، والتصنيع يبدأ من إحضار خامة النحاس وإدخالها على المخرطة وتشكيلها وصولًا لـ اللحام والنقش، مؤكدًا: "ميزة الشغل المصري إن منتجاته يدوية خالصة".
محمد عبد المحسن
مبخرة نحاسية
فن أصيل، منتجاته دقيقة الصنع، لا يعرف قيمتها إلا أصحاب الذوق الرفيع، ومازال صناعها الأمهر في تشكيل المشغولات النحاسية صامدين: "منتجات النحاس لا تقدر بثمن، يشارك في تصنيعها عدد كبير من الحرفيين، فالقطعة الواحد تخرج من بين أيادي ستة أشخاص، وهنا يظهر التقدير الحقيقي للمنتج وتظهر قيمته، مؤكدًا: "قيمتها كبيرة مش قليلة، نقوشها رائعة، ومنتجاتها تعرف من بريق لونها".
تصنيع منتجات النحاس
بالجهد والعمل ستظل صناعة منتجات النحاس مهنة عريقة باقية، يجيدها ويحبها أهل حرفة وصنعة على مر الزمان، ولن تندثر وتدخل طور النسيان: "أكتر حاجة بتبسطني إن المكان يكون شغال واحس بدوشته، طول ما فيه زحمة وشغل كتير بكون مبسوط.. مش عشان الفلوس عشان حب المهنة.. ومستحيل المهنة تنقرض، عشان كل واحد فينا بيعلم ابنه".
منتجات النحاس
منتجات مختلفة من النحاس
منتجات محمد عبد المحسن النحاسية