سلم مستشار السفارة السوفيتية بالقاهرة مكتب الرئيس جمال عبدالناصر رسالة من الرئيس السوفيتى خروشوف، مكتوبة باللغة الروسية ومعها ترجمة غير رسمية باللغة العربية، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان».
كانت الرسالة ردا على أخرى شفوية من عبدالناصر إلى خرشوف، ونقلها السفير السوفيتى فى القاهرة ديمترى كيسيليف، الذى سافر إلى موسكو لحضور مؤتمر الحزب الشيوعى الواحد والعشرين، وتناولت هجوم جريدة البرافدا السوفيتية الرسمية على السياسة المصرية، وأبرزها مقال خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعى السورى.
ومما قاله عبدالناصر فى رسالته: «إذا كنتم تتصورون أن حاجتنا إلى السلاح ورغبتنا فى بناء السد العالى سوف تمنعنا من الرد، فإنكم تقعون فى خطأ كبير، ولو أن تلك طبيعتنا لما كان هناك داع لكل هذه المعارك التى دخلناها ضد القوى الاستعمارية والإمبريالية، فنحن لم ندخل هذه المعارك لأننا نكن لهم كراهية خاصة، وإنما دخلناها لأننا نحب استقلالنا وحريتنا، وإذا بدأت ردود الأفعال من جانبنا، ثم توالت من جانبكم، فلست أعرف إلى أين تصل الأمور».
رد «خرشوف» برسالة مطولة فى 19 فبراير - مثل هذا اليوم - 1959، شملت تذكيرا منه بوقوف السوفيت إلى جانب مصر فى معركة العدوان الثلاثى عام 1956، وكذلك أيام إعداد الغرب للعدوان على سوريا عام 1957، بالرغم من الخلافات الأيديولوجية، وقال: «إذا نظر المرء إلى الوضع الحالى نظرة واقعية، فمن السهل أن يرى أن من يعادون قيام العلاقات الودية بين الاتحاد السوفيتى والجمهورية العربية المتحدة يريدون الآن أن يستغلوا خلافاتنا الأيديولوجية، فأعداؤنا المشتركون من المستعمرين يبحثون عن أى ثغرة ينفذون منها لدق أسفين بيننا، ولإفساد ما بيننا من علاقات طيبة، ونحن نزيح جانبا كل ما تبلغنا به الدول الغربية من افتراءات ضد حكومة الجمهورية العربية المتحدة».
«وأود أن أخبرك يا سيادة الرئيس مخلصا، أن هذه الدسائس من جانب الإمبرياليين لا يمكن أن تؤثر علينا أو تغير موقفنا الودى من الجمهورية العربية المتحدة، وأن الدول الغربية لن تنجح فى العثور على تلك الثغرات فى ناحيتنا، لذا فإنهم يبحثون عنها، وسيستمرون فى البحث عنها، فى الصحافة فى المقام الأول، خاصة أنهم يرون أنكم فتحتم لهم الباب فى ميدان الكفاح ضد الشيوعية الدولية، ولكننا نود أن ندع هذه المسألة جانبا، فالجميع يعرفون جيدا أن الكفاح ضد الشيوعية دائر منذ مائة عام، ولا شك فى أنكم تعرفون أية نتائج حققها هذا الكفاح حتى الآن، ولكنى على أى حال لست بحاجة إلى الإفاضة فى هذا الموضوع».
«ولما كنت أعرفكم كقائد سياسى منذ سنوات طويلة، فإنى أعرب عن الأمل فى ألا ينجح الإمبرياليون فى العثور على تلك الثغرة فى ناحيتكم أيضا، لكيلا يحيطوا وحدة شعوب بلدنا فى النضال ضد الاستعمار، وهل هناك أى أساس لأن يقال إن الجمهورية العربية المتحدة وغيرها من الدول العربية، لم تعد تتعرض للخطر من جانب الإمبريالية التى تعمل اليوم، كما كانت تفعل فى الماضى على شحذ خناجرها للإجهاز على حرية البلاد العربية واستقلالها».
يضيف «خرشوف»: «نحن نعرف جيدا أن الدوائر الحاكمة فى الدول العربية لا تتورع عن استخدام أية وسيلة للوقيعة بين الاتحاد السوفيتى والجمهورية العربية المتحدة، وفى مقدورهم أن يطلعوك على وثائق عن أنشطة الشيوعية العالمية، يكونون قد اصطنعوها بأنفسهم، فباعهم طويل فى هذا الميدان، وهم ينفقون عليه أموالا طائلة، وفى الولايات المتحدة جيش كامل من الأخصائيين الذين يعملون لنشر المعلومات الكاذبة والمضللة بين الساسة والرأى العام فى مختلف البلدان، وهدفهم الأساسى من ذلك هو إفساد العلاقات بين الدول التى تقف سياستها السلمية عقبة فى طريقهم، خاصة إذا اتصل الأمر بالعلاقات بين دول الشرق المستقلة والبلدان الاشتراكية، وإذا أعطاهم المرء إصبعا فلن يلبثوا أن يقطعوا الذراع كلها،
نحن شخصيا نعرفكم قائدا بارزا لحركة الشعوب العربية من أجل التحرر من نير الاستعمار، وقد كان لنضال الشعب المصرى والشعوب العربية الأخرى من أجل الاستقلال الوطنى، والتحرر من النير الاستعمارى دوره الكبير فى النهضة العارمة لحركة التحرر الوطنى لشعوب آسيا وأفريقيا، وقد حظى هذا النضال بالاحترام والعطف والتأييد العميق من جانب الشعب السوفيتى».
اختتم «خرشوف» رسالته قائلا: «أما عن الموقف من الشيوعيين فى الجمهورية العربية المتحدة، فإن الاتحاد السوفيتى لم ولن يتدخل فى الشؤون الداخلية للجمهورية العربية المتحدة، رغم أنكم يا سيادة الرئيس عندما سلكتم سبيل التقارب بين بلدينا، كنتم تعرفون طبعا أننا شيوعيون، وأننا لا يمكن أن نتعاطف مع سياسة الكفاح ضد الشيوعية، فهى سياسة نعتبرها خاطئة تاريخيا، ولا جدوى من ورائها، ولذا فليس فى هذا شىء جديد سواء من جانبكم أو جانبنا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة