وجود كبار السن فى دور الرعاية، قد يكون شيئا جيدا على مستوى الرعاية الطبية، ولكنهم يظلوا مُحتجزين خلف أبواب مغلقة، ونادرا ما يُسمح لهم بالمشى فى الخارج، وبدلاً من ذلك يجلسون أمام أجهزة التلفزيون الصاخبة، محاطين بمعدات تفوح منها رائحة المعدات الطبية، ويُحرمون من القدرة على اتخاذ قرارات بشأن أى شيء تقريبا، قد يكون دار الرعاية عبارة عن منزل قديم كبير تم تحويله بشكل غريب، حتى عندما يكون الموظفون والإدارة ملتزمين حقا برفاهية السكان، يبدو من الصعب البوح بالمشاعر.
اثنين من النزلاء
هذه المشكلات قد لا تختص بمن هم فى سن الشيخوخة، فهى أمر يجب أن يهتم الجميع به، لأن الشيخوخة باتت مشكلة تخص المجتمع بشكل عام، حيث يمكن للبيئة المادية أن تحسن أو تضر برفاهية السكان بشكل واضح، إذا تم التصميم بشكل صحيح، فيمكن أن يجعل رعاية كبار السن أقل إرهاقًا وأكثر فعالية، ويمكن أن يقلل من الحاجة إلى التدخلات الطبية وغيرها من التدخلات باهظة الثمن، وفقا لصحيفة the guardian.
القرية من الداخل
"لانديس ألزهايمر"، هى قرية بجنوب غرب فرنسا، يعانى جميع سكانها من الخرف، فهى وإن كانت ليست قرية بالمعنى الحرفى للكلمة، ولكنها محاولة لإعادة الحياة الحقيقية للأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر، على حد تعبير أحد الموظفين، من أجل خلق ظروف مناسبة لحياتهم، لا مجرد البقاء فى غرفة فى انتظار الموت.
المركز من الخارج
تم تصميمه على غرار قرية Hogeweyk للخرف فى هولندا، وهى منشأة مشهورة عمرها 14 عامًا لها شكل القرية وتصميمها، تم تصميم المشروع بالمثل ليكون له حياة ومظهر المجتمع التقليدى، مع هندسة معمارية مألوفة ويحوى مطعم ومكتبة ومرافق أخرى بالإضافة إلى 4 مجموعات من المنازل، أسطحها مائلة ومبلطة بالطين، حول مساحة خضراء جميلة، مع بركة وأشجار فى المنتصف.
أماكن مفتوحة بالقرية
المشروع بدأ كمبادرة قبل السلطة المحلية فى المنطقة وتم تمويل ميزانيتها البالغة 28 مليون يورو إلى حد كبير من قبلهم مع بعض المساعدة من الحكومات الإقليمية والوطنية، ويخدم 108 مقيمًا الذين يدفعون 2000 يورو شهريا ويمكنهم الحصول على المساعدة إذا لم يتمكنوا من تحمل هذا المبلغ بالإضافة إلى 12 مريضًا فى الرعاية النهارية، مع أكثر من 120 موظفًا و80 متطوعا، ويولون اهتماما خاصا لاحتياجات الأشخاص الذين يعانون من الخرف المبكر، مما يعنى أن أعمار سكانها الحاليين تتراوح من 42 إلى 104 أعوام.
داخل القرية
تهدف لانديس الزهايمر، التى تم افتتاحها فى عام 2020 وحازت على اعجاب الكثيرين وحصلت على جائزة التصميم السنوية لشركة Dezeen، تبلغ مساحته أكثر من 12 فدانا، يحيطه سياج من أجل سلامة السكان، ولكن داخل حدوده يمكن للناس أن يأتوا ويذهبوا كما يريدون، حيث يمكنهم التجول فى الأماكن المفتوحة أو الركض أو ركوب الدراجة، لأن الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر يمكن أن يكونوا لائقين بدنيا أيضا، أو زيارة جيرانهم، أو الذهاب إلى المطعم أو إلى عرض فى قاعة القرية، أو الاهتمام بالحيوانات والنباتات فى صورة مصغرة.
موقع القرية بجنوب غرب فرنسا
داخل كل مجموعة من المبانى، أو الأحياء، توجد "منازل" فردية، تحتوى كل منها على غرف نوم خاصة ومنطقة مشتركة للجلوس وتناول الطعام، ومطبخ يديره الموظفون. وهذه بدورها تطل من خلال الجدران الزجاجية على ساحات فناء غير رسمية، لخلق إمكانية المجتمع مع المنازل الأخرى. تتميز المحاكم بأنها محمية ومفتوحة جزئيا، مما يعطى إحساسا بالتدفق من واحدة إلى أخرى.
تم تصميم المسارات المحيطة بالقرية على شكل حلقات، لأن الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر يرتبكون أحيانًا بسبب الطرق المسدودة، كما أنهم يعيدون مسارات المشى باتجاه المركز وبعيدا عن السياج الحدودى، الذى بالكاد تلاحظه، الفكرة هى خلق "انطباع بالحرية"، كما تقول ماتيلد شارون بيرنيل، التى تدير مشاريع الرعاية الاجتماعية فى المقاطعة.
وهناك تفاصيل أخرى تهدف إلى التخفيف من آثار المرض، مثل لون الرصف هو اللون البيج الموحد فى جميع الأنحاء، حيث أن التباينات القوية يمكن أن تكون مزعجة للأشخاص المصابين بمرض الزهايمر، ويمكن إخفاء المرايا، ويستخدم الضوء والظلام لجذب الانتباه، وتم وضع مقابض الأبواب الشاحبة على خلفيات داكنة، والأبواب المؤدية إلى مناطق الخدمة بالكاد يمكن ملاحظتها فى الجدران المغطاة بالألواح.
وتقول شارون بيرنل إن الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر أكثر فضولا من الأشخاص الآخرين، لأنهم ضائعون طوال الوقت لذا إذا وضعت علامة ممنوع الدخول أو الموظفون فقط على شيء ما، فسوف يذهبون إلى هناك"، فمن الأفضل جعل المناطق المحظورة غير واضحة.
وهناك أيضًا متجر خيالى، حيث يمكن للقرويين "شراء" منتجات لا يدفعون ثمنها فعليًا، ومقصورة خيالية لعربة سكة حديد قديمة الطراز، بها شاشة بداخلها تظهر الريف يمر عبرها. يستخدم المعالجون هذه الأشياء لجعل المرضى يعتقدون أنهم كانوا فى رحلة بالفعل. قد تظن أن مثل هذه الحيل لن تؤدى إلا إلى زيادة حيرتهم، لكن قيل لى إنها تهدئ وتطمئن السكان.
التحدى الأكثر وضوحا هو التحدى المتمثل فى الحجم، حيث يبلغ عدد الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر فى فرنسا حوالى مليون شخص، فضلا عن أشكال أخرى من الخرف، لذلك سيتطلب الأمر الكثير من المشاريع مثل لانديس لإحداث تأثير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة