تمر الأيام سريعا، ويكتشف الشخص في لمح البصر أن قطار العمر قد تجاوز محطات عديدة، وربما لا يتبقى إلا القليل من العمر، وقد كان حريصا طوال تلك الفترة على أن "يحوش" المال، حتى يستند إليه في أواخر العمر، ويتوكأ عليه إذا نهش المرض في الجسد.
ربما يعتقد البعض بالخطأ أن "التحويش" كلها مال، فينشغل العمر كله بجمعه، فيمر قطار العمر دون أن يلتفت، ويجد نفسه في أواخره، وقد قضى عمره كله زحفا وراء الأموال، يحبها حبا جما.
وفي حقيقة الأمر فإن "التحويش" ليست كلها مالا، ولا ذهبا ولا أرضا وعقارات، فالأفضل أن "يحوش" الشخص بجوار عمله الصالح، أهل أنقياء صالحين، وأصدقاء حقيقين ليسوا مزيفين، وقلوب نظيفة نحبهم ويحبوننا، قلوب لا تعرف الغل ولا الكره والحقد والحسد.
الأفضل أن "نحوش" ذرية صالحة، ذخيرة الرحمة في الدنيا، وأيادي لا تتوقف بالدعاء لنا إذا ما متنا، تبرنا في حياتنا ومماتنا ولا ينقطع بهم عملا، فيدعوا لنا.
الأفضل أن "نحوش" سيرة طيبة، تمتد لسنوات وسنوات بعد وفاتنا، ومسيرة طيبة نلقى الله ونحن راضيين بها، في يوم تبيض فيه الوجوه.
الأفضل أن "نحوش" ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، ونعمر ولا نخرب، ونبني ولا نهدم، ونزرع الخير حتى لو في خير موضعه.
بالتأكيد، هذا "التحويش" هو الباقي، لا ينفذ، ولا يخسر أبدًا، ولا يتلف مع مرور الوقت، أما المال فيزيد وينقص، يأتي ويذهب، ينفع ويضر، فلا "تحوشوا" مالا فقط، حتى لا تندموا في وقت فات فيه الندم.