ليس جديدًا ما أعلنه صندوق النقد الدولى، الجمعة؛ فخُلاصة اجتماع مجلسه التنفيذى، تضمَّنت التفاصيل المعلنة يوم تحرير سعر الصرف 6 مارس الجارى. لكنّ البيان انطوى على إشارات مهمّة لناحية برنامج الفترة المقبلة، والتلاقى على أولويات مرحلية واستراتيجية تستكمل التعافى، وتُعيد ضبط أداء الاقتصاد الكُلّى ومُؤشّراته. والواقع أنّ أثر الاتفاق يتجاوز قيمةَ التمويل، وشريحتَه العاجلة، ويُمثّل دعمًا معنويًّا شديدَ الأهمية فى مغزاه وتوقيته؛ لأنّه لا يُبشّر بانفكاك القَيد الخانق فيما يخصّ ميزان المدفوعات واحتياجات النقد الأجنبى فقط؛ إنما يُعبّر عن حالةٍ من انتظام السياسات والإجراءات، تسمحُ بتجديد الثقة الدولية، والتحرُّك بأريحية بعيدًا من الضغوط الظرفية، وتفتحُ البابَ لتسويق الاستثمار المباشر وغير المباشر؛ باعتبارهما فرصةً مُستدامة وليسا مُراهنة محفوفةً بالمخاطر، أو مدفوعةً بالتسعير المُتدنّى وإغراءات الفائدة.
كان التفاهم القديم محدودًا بثلاثة مليارات دولار، صُرِفت منها شريحةٌ وتعطّلت بقيّتها مع تأخُّر المُراجعات الدورية، والاختلاف على بعض التفاصيل. ولعلّ أبرزها أن الإدارة المصرية كان ترى كبحَ التضخُّم مُتقدِّمًا على كلّ الضرورات بما فيها توحيد سعر الصرف، وتتمسّك بالتزاماتها الاجتماعية تجاه الفئات الأَولى بالرعاية، بينما لا يُحبّذ الصندوق مسألةَ الدعم والتوسُّع فى المزايا العامة غير الموجّهة. وما حدث أنّ الطرفين تقاربا فى الرؤية؛ فالحكومة كانت واعيةً بمخاطر الارتباك النقدى؛ لكنها ظلّت مُتحفّظةً على اتخاذ إجراءات لا تُعضّدها وفرةٌ دولارية حاضرة، والصندوق لا يختلف على خطورة انفلات الأسعار؛ لكنه رآها جزءًا من خطّةٍ إصلاحية شاملة. وعندما أُبرِمت صفقةُ «رأس الحكمة» وتخفَّفت الموازنةُ من عبء تدبير الالتزامات الوشيكة، صار مُمكنًا السير فى الاتجاهين بالتوازى.
البرنامج الذى تعطَّل شهورًا أُعِيد تجديده خلال أسابيع، وزادت قيمته من ثلاثةٍ لثمانية مليارات دولار. وبعدما أقرّ الصندوق الاتفاقَ، وأعلن صرفَ دفعةٍ عاجلة 820 مليونًا، أكَّد أن الخطوة تترافق مع إجراءاتٍ مصرية مهمّة لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلى، وخَفض الدَّيْن العام وإنهاء مُتأخّرات النقد الأجنبى، وأنّ المسار الذى انتهجته الحكومة يُعالج التحدّيات الناجمة عن توتُّرات الإقليم والعالم، ويدعم النموَّ الاحتوائى المُستدَام؛ لا سيّما مع تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات بأثر الصفقات الاستثمارية الأخيرة، وتعزيز قدرة السوق على الثبات وامتصاص الصدمات. وأهمّ ما فى ثنايا الحديث؛ الإشادة بحماية الفئات الأكثر احتياجًا، وتأكيد أهمية إبطاء التضخُّم بكلّ الأدوات وأوّلها الفائدة. وإن كانت فى الأمر إشارة لاستمرار التشديد النقدى؛ فإنه لا يُرتِّب التزاماتٍ غير ما أنفذته الدولة مُؤخّرًا، ولا ينظر لمُخصَّصات الحماية الاجتماعية باعتبارها عقبة على طريق الإصلاح، وفق ما درج عليه الصندوق فى مُقاربته للأزمات بوصفةٍ جاهزة، تتجاوز الفحصَ الدقيق للمجتمعات وأحوالها، من زاوية ما يُناسبها وتحتاجه، مرحليًّا وفى المدى البعيد. ما يعنى أن الشراكة هذه المرَّة تستندُ لضوابط ومعايير بالقطع؛ لكنها لا تتشدَّد فى تفعيل أدواتها التقليدية، ثقةً فى المسار أو مُراعاةً لاستثنائية الظرف.
عاشت مصر فترةً شديدة الصعوبة، ولا يُمكن إنكار أن بعض الاختلالات الداخلية ترافقت مع العواصف العابرة للحدود؛ فخلقت مناخًا غير مُواتٍ، وعقَّدت الأوضاع بشكلٍ مفاجئ. والمراجعة الأمينة تُؤكّد أنّ المسار كان صاعدًا منذ قفزة الإصلاح الاقتصادى فى 2016؛ إذ عالجت الدولة كثيرًا من الاعتلالات الموروثة، وحقَّقت نموًّا مُستقرًّا، وأعادت تنشيط قدرات قطاعات حيوية على رأسها البنية التحتية والطاقة. ربما كانت رواسب الماضى ثقيلةً بما يتجاوز طموحات الحاضر؛ لكنّ عجلة السوق حافظت على كفاءتها ومُعدّلات دورانها رغم المُنغِّصات. ولم تُطِلّ الأزمةُ برأسها إلَّا مع جائحة كورونا، وقد تركت آثارًا بالغة السوء على الاقتصاد العالمى، وأضرَّت بسلاسل التوريد وحركة الأموال. ثمّ كانت الضربة القاصمة بحرب أوكرانيا قبل سنتين، فتضافرت عوامل الرَّيبة والهلع، مع المنافسة الظالمة من القوى الكبرى؛ لتُعمِّق محنةَ الأسواق الناشئة، باجتذاب الفوائض المالية وتصدير تضخُّمها للعالم مع البضائع والعملات. والواقع أن مصر لم تكن قَطّ اقتصادَ وَفرة، ولا تستندُ لثرواتٍ سيادية وموارد ريعية كثيفة؛ لذا كان طبيعيًّا أن تتضرَّر من الاختناق الناشئ، وقد طال أسواقًا كُبرى ومنتجين ومنابع نفطيّة عملاقة. وليس معنى ذلك أنّ البيئة الداخلية كانت مثاليّةً تمامًا، أو أنها لم تتورَّط فى أخطاء عابرة أو هيكلية؛ لكنها دفعت فواتير أكبر كثيرًا من القسمة العادلة، وتكبَّدت أعباء صنعها آخرون.
فى مرحلةٍ سابقة؛ كان الصندوق طوقَ النجاة الوحيد، لهذا تصوَّر أنّ مصر مُجبرة على السَّير الاضطرارى بموجب وصفته الكاملة. لقد كان إرجاء الاتفاق مُرهقًا وعالى التكلفة؛ لكنّه فتحَ الباب لتجريب وصفاتٍ وبدائل تنبع من السوق، وتُعبِّر عن صلابتها. كان مُفيدًا للغاية أن تُبرِم الحكومةُ صفقة رأس الحكمة قبل أن تتحرَّك فى مسار الإصلاح، وهكذا جاء «النقد الدولى» شريكًا مُكمِّلاً على شَرط التوازن، لا التحكُّم والانفراد. بمعنى أنه صار واضحًا أنّ الأزمة تنحصرُ فى السيولة لا الملاءة المالية، وبِوسع الدولة أن تُخلِّق فُرصًا ومسارات لا تنقصها السرعة والكفاءة. وعندما تذهب للمُؤسّسات الدولية فلأنها تُؤمن بالإصلاح؛ اقتناعًا لا عن عجزٍ وانعدام خيارات، وتبحث عن شراكةٍ موضوعية مُثمرة، تُعالج العِلَّة وتُرقِّى مواطن البأس؛ بأكثر ممَّا تُعيد هندسة فلسفتها التنمويّة بما يحدّ من طموحها أو يمسّ ركائز مشروعها. وبجانب الانفراجة الآتية من الساحل الغربى، وترفيع العلاقة مع أوروبا بمزيجٍ من المنح والتمويلات؛ فإنها بصدد الالتفات للشراكات الإقليمية الكبرى، ولها حيِّز جيوسياسى يجعلها أصلاً ثابتًا من أُصول التنمية والاستقرار فى الإقليم وتقاطعاته، وما تحتاجه من البنك وصندوق النقد الدوليين أقرب لشهادة الجدارة؛ إذ الرؤية مُكتملة وفى طَور التنفيذ بالفعل.
حصيلةُ التدفقات الأجنبية بعد تفعيل برنامج الصندوق تتجاوز خمسةً وخمسين مليار دولار. يسمح ذلك بسَدّ الفجوة الدولارية لعدَّة أعوام، وضمان الاستدامة فى سداد الالتزامات، وتيسير دخول السوق ومُغادرتها؛ ولعلّ الأخيرة كانت العَقبة الأكبر أمام المُستثمرين المُباشرين وفى أدوات الدَّين، ما يعنى أن الرصيد المُتحقّق لا يُوفِّى المدفوعات المطلوبة فحسب؛ إنما يُمثّل ذخيرةً تحفيزيّة لتوليد المداخيل. والصندوق إذ يستشعر الجدّية، ويُشيد بالخطوات المُتّخذة من السلطات الوطنية؛ فإنه يُنهى حالة التوجس والإحجام التى أنشأها الشُّحّ النقدى، والدعايات السلبية الناجمة عن تقارير مُؤسَّسات التصنيف الائتمانى. صحيح أنّ الأخيرة لم تُعدِّل تقاريرَها بعد؛ لكن الموثوقية المُتحقِّقة من الاتفاقات الأخيرة كلها ربما تُعادِل بعضَ تأثيراتها، خاصة بالنسبة للأموال الساخنة وصناديق الاستثمار الكبرى، وكثير منها لديها محافظ مُتخمة وتُفتّش عن فُرص مُجزية، بينما تلوحُ فى الأُفق إشارات على اقتراب أسواق رائدة من محطة التيسير النقدى، وتتداخل مخاوف التوترات الجيوسياسية من أوراسيا لبحر الصين الجنوبى، مع توقعات عودة ترامب وما يُرافقها من تجديد الحروب التجارية مع أوروبا وبكين، فضلاً على تعطُّل ممرّ الهند عبر الخليج العربى بأثر الوحشية الإسرائيلية فى فلسطين.
طُروحات السندات شهدت تحسُّنًا ملحوظًا بالفترة الأخيرة، على صعيد الإقبال والفائدة ومُعدّلات التغطية. وقدَّمت مُؤسّسات وبنوك استثمار عالمية توصيات بالشراء، وقال «جولدمان ساكس» قبل الإجراءات الإصلاحية إنّ التشاؤم بشأن الأوراق المُقوَّمة بالدولار مُبالَغٌ فيه، وإنّ مصر ستتجنب التخلُّف عن السداد وتُحقِّقُ أداءً جيدًا للمستثمرين. وتعاظمت إيجابيّة التوقُّعات بعد «رأس الحكمة»، ثمّ إجراءات مارس وما تلاها من تفاهمات مع البنك الدولى والاتحاد الأوروبى. وأخيرًا يأتى حديث الصندوق ليُعمِّق حالةَ التفاؤل ويُؤكِّد أنها ليست انتعاشةً هشَّة أو عابرة. سيكون على الحكومة بالطبع أن تُدير مواردَها فى الحقبة الجديدة بقدرٍ أعلى من الكفاءة والوضوح، وأن تُعيد ترتيب الأولويات والالتفات المُعزّز للقطاعات الإنتاجية. والمُؤكَّد أن الخُطط المستقبلية ستختلف عما كان قائمًا؛ لا سيما مع بدء الولاية الرئاسية الجديدة، والتعديلات المُتوقَّعة على دولاب الإدارة، ومستهدفات السنوات المقبلة، وفى ضوء مُخرجات الحوار الوطنى المرفوعة للقيادة السياسية، وتشكيل لجنة تنسيقية بين مجلسى الأُمناء والوزراء لمتابعة تنفيذها. فالإشاراتُ الكامنة فى كلِّ هذا تتخطَّى انعكاساتها الوقتية، وتعلو على الإيقاع الذى قد يَنظُم حركةَ المُؤسَّسات فرديًّا وفى تشابكاتها؛ فالمعنى أننا بصدد تجربةٍ مُغايرة أكثر تشارُكًا وديناميكية، وأن مُكوِّنات الطبقتين السياسية والاجتماعية حاضرة فى ترسيم معالم الطريق، والاستخلاصاتُ أقرب للإجماع وتُعبّر عن البناء العام ومنظومة روابطه المُحدَّثة.. وأهمُّ أبواب الثقة الاقتصادية، أن يكون الغلافُ الحاضن للتجربة مُتفهِّمًا لها، ومُتّفقًا عليها، وراغبًا فى إنجاحها على قاعدة التعاون الخلَّاق، والمسؤولية التضامنية، والمُراجعة والتصويب الذاتيين؛ ما يَرفدُ بقيّة التحرُّكات مع كلِّ الأطراف بمزيدٍ من الطاقة، ويُقدّم شهادةَ ثقةٍ تُعادل أختام الجهات الدولية؛ إن لم تَفُقها قيمةً وأثرًا.
الشريحة الأُولى قد تصل البنك المركزى خلال أيام، والاتفاق يسمح بتمويل إضافى من صندوق الصلابة بنحو 1.3 مليار دولار، بسماح طويلٍ وفترة سداد مُمدَّدة، بإجمالى ثلاثة عقود تقريبًا وفائدة لا تتجاوز 2.5%.. وفيما وراء الأرقام رهانٌ جادّ ومُعمَّق على القطاع الخاص، دعا إليه الصندوق فى بيانه، وتتحرَّك الدولة نحوه عمليًّا. والشاهد أن «رأس الحكمة» لم تكن مَخرجًا من أزمة الماضى فقط؛ بل تبشيرًا بمُستقبل يتقدّمه القطاع الخاص، وتلعب التدفُّقات الطازجة دورًا رياديًّا فيه، والنموذج هنا فى المشروع العملاق شمالاً، ونحو نصف تريليون جنيه «قيمة الوديعة الإماراتية المُحرَّرة» للاستثمار فى بقية السوق.. وبأثر الخطوتين سيزداد الطلب على كثيرٍ من الأنشطة والمدخلات، ويتشجّع المُستثمرون المحلّيون رغم أعباء الفائدة، سعيًا لحَجز مواقعهم الجديدة والاستعداد لحال ما بعد التعافى، ومن هذا الزخم ستتولّد مزيد من الفُرص والإغراءات للوافدين، لا سيّما من المحيط العربى وبعض دول الخليج. وإجمالاً فالصورة العامة إيجابية، وكلّ المُؤشِّرات تُبشِّر بالخروج عن المُنحدَر واستعادة مسار الصعود. على أن يُتمِّم ذلك تحصينُ سوق الصرف من محاولات التلاعب والمُضاربة، وأن تكون الإتاحةُ الراهنة قاعدةً لإنهاء الازدواجية وتجارة النقد أو تخزينه بصورةٍ مُستدامة، مع الاجتهاد فى أن ينعكس التصحيح على الأسعار، سواء بالتفاهمات مع روابط التجَّار كما فعلت الحكومة أخيرًا، أو بتكثيف الرقابة والمُساءلة عن حالات الاحتكار وحَبس السلع للإخلال بمُعادلة العَرض والطلب. وإذا كان بعضُ المشكلة تتحمَّله الجهات التنفيذية، وأغلبه وافد من خارجها؛ فإنّ حصّةً لا يُستهان بها من نِتاج السلوك الشعبى، عبر سلاسل مُتتابعة من الاستغلال وتصدير الأزمة، خصوصًا لمنتجات وخدمات لا يدخلها مُكوِّن دولارى، ويتمادى أصحابها فى تسعيرها بمُبالغاتٍ غير منطقية، كما فى قطاعات الطعام والمشروبات المحلية وأتعاب المهنيِّين والفنيين، من أوّل الطب والمحاماة للسباك وسايس الجراج.
ما حدث فى أول أسابيع مارس كان مُهمًّا وضروريًّا؛ لأنه يُصوِّب انحرافًا صار يضغط على عصب السوق، بعيدًا من مُسبّباته وهل كان طارئًا أم كامنًا. وما يحدثُ الآن مع نهاية الشهر يُتمِّم الخطوةَ ويُنشِّط مفاعيلَها. ليس بسيطًا أن يُقرّ صندوق النقد بنجاعة الإجراءات الأخيرة، ولا أن يشهد لخُطّة الإصلاح عمليًّا بمُضاعفة تمويله مرّتين، بعدما كان مُتعثّرًا، وفى ثنايا الإقرار بسلامة الرؤية وكفايتها؛ لناحية مُتطلّبات المرحلة والاستجابة لتحدياتها، يُلقى ضوءًا على حزمة من العناصر المُؤسِّسة للمسار الجديد، متجاوزًا المديحَ العابر على رأس التجربة، إلى تمرير استقراءات مُتفائلة بشأن مآلاتها القريبة والبعيدة. ولا يعنى ذلك أن الطريق لا تكتنفها الصعوبات؛ إنما يُؤكِّد أنه مع ظروف طبيعيةٍ لا تُخالطها مفاجآت داخلية أو تقلُّبات خارجية؛ فالوصول لمحطّة التعافى والاستقرار والاستدامة شبه مضمون. إنها شهادةٌ أُولى باجتياز الامتحان، والترقُّب اليوم بشأن مُعامل النجاح، لا تحت سيف الخوف من الإخفاق والرسوب كما كان سابقًا. كأنّ طالبًا تجاوز الثانوية وينتظر موقعَه من التنسيق، صحيح أن النتيجة النهائية لم تظهر بعد؛ لكنه صار طالبًا جامعيًّا بالمنطق والانتقال الطبيعى.. الاجتهاد سيُحدِّد التقدير وترتيبه بين دفعته؛ لكنّه فى كلِّ الأحوال تجاوز عُقدةَ الدروس الخصوصية واستغلالها، ولم يعُد مُحمَّلاً بنزوات الآباء وأعباء المُقارنة بالأقران.. هكذا يسهُل أن نتجاوز الماضى، ويصحُّ أن نُهندِم الحاضرَ ونستحثَّ الخُطى للمستقبل، وإذا كان العالم يَرانا على وجهٍ أفضل ممَّا كان؛ فالواجب أن نرى أنفسنا بما يُكافئ قُدراتنا ويُصيب الحال التى نرجوها ونستحقّها، ليس للإنكار أو التراخى؛ إنما لأنّ إيماننا بالدَّرب لا يقلُّ أهميّةً عن السَّير فيه، ولأن تقويم الرحلة من داخلها أنجعُ وأجدى من الوقوف على الحافة، أو التنظير دون وعىٍ بالتعقيدات، ودون انخراطٍ فى التجربة بمَنطقها ولَوَازمها، بحيث لا تكون ثِقَلاً على ساق اليوم ولا قيدًا فى رقبة الغد.