مما لا شك أن كل المؤشرات تؤكد أن موقف الولايات المتحدة واستخدامها لحق النقض "الفيتو" أكثر من مرة في مجلس الأمن الدولى ضد وقف إطلاق النار في غزة، والوقوف بكل قوة حتى لا يتم إدانة إسرائيل رغم ارتكاب جيش الاحتلال جرائم حرب في حق الفلسطينيين من قتل وقصف وتدمير وحصار وتجويع رغبة في الانتقام بوجه خاص من الفلسطينيين، وذلك فى إطار مُخطط مُحدد ومعد سلفا لتفريغ الأراضي الفلسطينية من السكان وفق مخطط مرحلي يتركز في هذه المرحلة في قطاع غزة.
وأعتقد أن المخطط يعنى التخلص من أكبر قدر من الفلسطينيين في القطاع خاصة وأن غزة مثلت وتمثل تهديدا أمنيا لإسرائيل وعائقا حقيقيا للتوسع الإسرائيلي وهو ما ظهر بوضوح في مطامع إسرائيل في الاستيلاء على القطاع وإعادة احتلاله، أو بالسيطرة الأمنية عليه بشكل مباشر أو غير مباشر كما جاء في وثيقة نتنياهو بشأن إدارة غزة بعد انتهاء الحرب.
وهنا تتأكد حقيقة دعم الولايات المتحدة اللامحدود وإصرارها على عرقلة أي قرار لوقف إطلاق النار، حتى الخلاف الذى يظهر أحيانا بين بايدن ونتنياهو يأتي في إطار مصلحة إسرائيل في المقال الأول، ونموذجا الخلاف حول حل الدولتين الذي يريده بايدن ويرفضه نتنياهو بشدة هو خلاف لصالح إسرائيل من وجهة نظر بايدن، لأن بايدن يرى أن حل الدولتين يتيح فرصة استثنائية لاندماج إسرائيل في المنطقة وكان ذلك أملا إسرائيليا على مدى العقود الماضية ولا يزال ذلك أملا حتى الآن.
وظنى، أن نتنياهو وتصرفاته وتعنته في التفاوض ورفضه كل شروط المقاومة واستمراره في الإبادة الجماعية، وفى ظل تصاعد تصريحات إدارة بايدن الغاضبة من نتنياهو يؤكد أن هناك خلافا في العلن بينهما، إلا أن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بإنشاء ميناء في ساحل غزة على البحر المتوسط والذى سيتسغرق أسابيع بل شهور يعكس أنه لا خلاف - أصلا - بين نتنياهو وبايدن في الحقيقة، فكلاهما يريدان إطالة أمد الحرب في غزة، وتصرفات نتنياهو وبايدن تؤكد ذلك رغم اختلافهما.
فالناظر إلى ما يفعله نتنياهو من تسميم التربة الزراعية في غزة بقنابل الفسفور، ومن تقطيع أواصل القطاع، واستهداف البنية التحيتة والمستشفيات ما يجعل الحياة شبه مستحيلة مرة ثانية في القطاع، ناهيك عن خطته وتأكيده أن الجيش سيتستمر في القطاع 10 سنوات، كل هذا أنه يتسق مع سياسة إدارة بايدن من حيث المراوغة ومنع إصدار قرار بوقف إطلاق النار، وسعيها لإنزال المساعدات جوا وعدم ضغطها بشكل حقيقى على إسرائيل لإدخال المساعدات عن طريق المعابر البرية الأسهل والأيسر والأقل تكلفة يؤكد كل هذا أن هذه التحركات رمزية لا أكثر لحفظ ماء الوجه الأمريكي، ولامتصاص الرأي العالمى الغاضب نتيجة تجويع سكان القطاع.
لكن الأخطر – في ظنى – أن فكرة إنشاء ميناء يستغرق أسابيع وشهور يؤكد أنه ليس هناك نية أمريكية لإنهاء الحرب قريبا، وأنه الولايات المتحدة تتفق مع نتنياهو في إطالة أمد الحرب، حتى وإن كان الحديث حول إيجاد آلية لإدخال المساعدات للقطاع!.
والسؤال لماذا الميناء الآن رغم رفض إسرائيل إنشائه من قبل، صحيح الميناء يعد أحد مقومات الاستقلال الوطنى لكن أن تنشئه أمريكا بداعى إدخال مساعدات للقطاع يجعلنا نتسائل، لماذا التكلفة ولماذا نضيع وقتا ولدينا معابر برية أسهل وأسرع وأقل تكلفة؟ ما يدفعنا نفكر ولو قليلا أن هناك هدفا غير مُعلن ستكشفه الأيام القادمة!
وأيا كان الأمر.. فإن كل المؤشرات تؤكد أن واشنطن تطيل زمن الحرب في غزة وهي بذلك تكون شريكا لإسرائيل في القتل والإبادة الجماعية، فهل تتحمّل المسؤولية وتدفع الثمن؟