سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 20 أبريل 1912.. مولد الموسيقار محمود الشريف فى الإسكندرية بعد عودة والده من الاعتكاف سبع سنوات فى مسجد الخليل إبراهيم بالقدس

السبت، 20 أبريل 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 20 أبريل 1912.. مولد الموسيقار محمود الشريف فى الإسكندرية بعد عودة والده من الاعتكاف سبع سنوات فى مسجد الخليل إبراهيم بالقدس الموسيقار محمود الشريف
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت حارة الحمام، فى حى باكوس رمل بالإسكندرية، على موعد مع استقبال مولود جديد فى 20 أبريل، مثل هذا اليوم، 1912 سيكون فيما بعد إحدى علامات الموسيقى العربية، كان المولود آخر العنقود، والخامس لأربعة أخوة هم: «أمينة، ومحمد، وإسماعيل، وحسن»، وأسماه والده «محمود»، ليصبح فى دفاتر المواليد، محمود حسين إبراهيم أبوعمر الشريف، وفى دنيا الفن والموسيقى «محمود الشريف»، خير من يلحن الاستكشات متعددة الألوان، حسبما يذكر محمد عبدالوهاب فى «أوراقه الخاصة جدا»، تقديم فاروق جويدة.


كانت طفولة محمود الشريف بائسة، كمعظم حال أقرانه من المبدعين فى هذا الزمن، لكن الموهبة كانت تتفتح من وسط هذا البؤس، يؤكد: «ولدت فى بيئة دينية رقيقة الحال تجد قوتها بالكاد»، وفقا لاعترافاته فى سيرة حياته التى كتبها الشاعر الراحل محسن الخياط، ونشرتها مجلة «الشاهد»، قبرص، بدءا من مارس 1989. 


كان والده إماما لمسجد سيدى محمد العجمى صاحب الشاطئ المشهور بمدينة الإسكندرية، ويذكر «الشريف» ما قالته أمه له عن والده: «كان شيخا وقورا مهيب الطلعة، حلو القسمات، اشتهر بورعه وكان واحدا من مشايخ الطرق الصوفية، هجر مسقط رأسه فى مدينة البرلس، وكان شابا فى السادسة عشرة من عمره، هجرها سيرا على الأقدام، قاصدا مدينة القدس، وهناك فى مسجد الخليل إبراهيم، عكف داخل الخلوة سبعة أعوام، قضاها فى التعبد والتبتل لا يعرف من أمور الدنيا شيئا، وذات يوم سمع الناس يتحدثون عن ثورة عرابى، فما كان منه إلا أن أسرع فى العودة إلى بلده، ومنها استأجر مركبا شراعيا، وضم إليه أبويه وجده وجدته، وهم كل أهله وخاض بهم البحر حتى وصل إلى الإسكندرية، وفى المدينة شاءت المقادير أن يلتقى بعض المشايخ من بلدياته، من بينهم شيخ مسجد الإمام البوصيرى الذى استضافه وهيأ له عملا فى أحد المساجد، وسعى لتزويجه حتى تحقق ذلك بأن أصبح صهرا لأسرة أبوإسماعيل التى اشتهرت بتجارة الأقمشة فى حى باكوس رمل الإسكندرية».


كان الأب يتفرغ للعبادة جزءا من الليل، ثم ينهض ليؤذن لصلاة الفجر ثم يؤم المصلين، بعد ذلك يخلع الجبة والعمامة، ويظل بقميصه الأبيض وسرواله الطويل، ثم يحمل على كتفه شباك الغزل، وكان صيادا ماهرا، ومن فوق الصخور العاتية يطرح الشبك، ويعود بالرزق الوفير، يذكر الشريف: «كانت ضيوفنا كثيرة، ومشايخنا لا تنقطع عن زيارتنا لإقامة حلقات الذكر ليلة الجمعة من كل أسبوع، وعندما أحيل إلى المعاش، خلع جبته وعمامته، وألقى بمسبحته جانبا، ثم خرج إلى الحياة والفأس فى يده، وهو الشيخ الكبير الذى جاوز السبعين من عمره».


يحكى «الشريف» جانبا مما تركه والده فيه من أثر: «كنت فى كثير من الأوقات أرى الدموع تنهمر من عينيه، وتتساقط حباتها لتبلل لحيته البيضاء، كان فى لحظات حنانه يدعونى إليه ويطلب منى أن أتلو عليه سورة من القرآن الكريم، وكنت أعرف أنه يحب سورة تبارك، فكنت أتلوها دون خوف أو تلعثم، وأحس بالرضا يعلو قسمات وجهه، وأرى النور يتسلل إليها، وفى النهاية كنت أفوز منه بقطعة من فئة العشرة فضة، وكانت تعتبر ثروة هائلة فى تلك الأيام».


يضيف: «من مواقفه التى علمتنى كيف يكون عندى ضمير، ذات مرة صحبنى كعادته لأداء صلاة الجمعة بمسجد سيدى جابر، وبعد الصلاة طلب منى أن أدله على المقهى التى يجلس فيها أخى محمد، وعند بابها نادى عليه، جاء فسأله فى حزم: أين المائة جنيه التى ربحتها من ورقة اليانصيب، ولم يمهله أبى حتى يخرجها من جيبه فقد دس يده وأخرجها وهو يدفعه أمامه.


فى مكتب أوراق اليانصيب بادر أبى المسؤول بقوله: من فضلك خذ هذه الجنيهات وأعطنا القرش صاغ بتاعنا، وتسمر الرجل مذهولا فى مكانه أمام هذا الطلب الغريب والأمر العجيب، لم يعطه أبى فرصة للمناقشة فأخرج الرجل من جيبه القرش الصاغ وألقى أبى أمام الرجل بالجنيهات ثم انصرف».


يتذكر «الشريف»: «ذات ليلة تلقيت منه أول وآخر هدية، كانت آلة موسيقية قيمة اشتراها من بائع «روبابيكيا» تشبه آلة القانون تركية الأصل، عرفت فيما بعد أن اسمها « السنتور»، جلست يومها أعبث بأوتارها المشدود من السلك، وأنا لا أدرى لماذا اشترى أبى لى هذه الهدية، هل كانت نبوءة بأننى سأصبح موسيقيا فى يوم من الأيام؟».


فى الخامسة من عمره يلتحق محمود الشريف بالكتاب، ثم يتأثر بأخيه إسماعيل العازف على آلة «الترمبون» بفرقة الموسيقى الخاصة التى كونها الأمير عمر طوسون بالإسكندرية، وتعلم منه مبادئ القراءة والكتابة بالنوتة الموسيقية دون أن يدرى أن محمود سوف يكون فى يوم من الأيام موسيقيا تتردد ألحانه فى كل مكان.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة