الانقسام الظاهر فى الحكومة الإسرائيلية يكشف عن صراع يتطور وأيضا عن أزمة نتنياهو وحكومته المتطرفة فى خوض حرب أبدية بلا هدف ولا أفق، نتنياهو اتخذ من اختراقات 7 أكتوبر ذريعة لشن حرب إبادة ضد غزة، وكسب بعض الوقت للبقاء فى السلطة وأرضا فى السياسة، ويستقطب تيارات متطرفة داخل إسرائيل، لكنه عجز عن تحقيق الأمن، فالمجتمع الإسرائيلى نفسه أصبح أكثر خوفا، وشعورا بالقلق من اندلاع المزيد من الحروب فى الشمال مع لبنان أو جبهات أخرى وخسارة حالة سلام بقيت لعقد، كل هذا يضاعف من شعور المجتمع بالخطر، فضلا عن أنه حسب التحليلات والتوقعات فإن هذا العنف المتطرف غالبا ما ينتج ردود أفعال عنيفة ضمن خطوط التفاعل الطبيعية.
بالطبع فإن الخسائر الأكبر فى أرواح أطفال ونساء غزة، أكثر من 36 ألفا سقطوا وعشرات الآلاف من الجرحى، ومع هذا فقد دفع المجتمع الإسرائيلى وما زال ثمنا فى عملية 7 أكتوبر، مع الثمن الاقتصادى، وخسائر فى صفوف جنود الاحتلال، ورفع الطوارئ، واستدعاء الاحتياطى، وهو ما يؤثر على الأعمال والتعليم والوظائف وأيضا خسارة عمالة فلسطينية طوال هذه الفترة، طبعا إسرائيل تغرف من خزائن الولايات المتحدة بلا حساب أو حدود قصوى، فى السلاح أو الدعم المالى، والذى لولاه ما صمد الاحتلال ساعة واحدة، وإذا كان نتنياهو نجح فى استقطاب المتطرفين فهو أيضا لم ينجح فى استعادة المحتجزين أو حتى تحقيق الأمن، بجانب أنه يفتقد إلى أى مشروع لما بعد العدوان.
وهو ما يظهر فى الانقسام فى حكومة الاحتلال بسبب خطط ما بعد الحرب، وغياب استراتيجية لحكم القطاع بعد انتهاء الحرب، بدأ الانقسام بتصريحات وزير الدفاع يوآف جالانت، حيث يطالب بنيامين نتنياهو بوضع خطط لليوم التالى للحرب فى غزة، رافضا أى حل فى ظل وجود حكم عسكرى أو مدنى إسرائيلى فى القطاع، ويرى فشل الحكومة فى وضع خطة لغزة ما بعد الحرب، وحذر من أن التردد فى اتخاذ القرار لن يترك سوى خيارين سيئين فى غزة من وجهة نظره وهما حكم حماس أو الحكم العسكرى الإسرائيلى، وكلاهما سيؤدى إلى تآكل ما وصفه بالإنجازات العسكرية الإسرائيلية ويقلل الضغط على حماس ويخرب فرص التوصل لاتفاق للإفراج عن المحتجزين.
تعليقات جالانت، حظيت بدعم بينى جانتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلى السابق والمنتمى إلى تيار الوسط، وأحد أعضاء مجلس الحرب، لكنها أثارت جدلا سياسيا، رد نتنياهو بشكل عاجل، بالقول إنه غير مستعد لاستبدال حماس بفتح، فى حين طالب وزير الأمن القومى إيتمار بن جفير، بإقالة جالانت وعزله من منصبه، واستبداله لتحقيق أهداف الحرب، كما طالب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، نتنياهو، بأن يخير جالانت بين تنفيذ سياسة الحكومة أو الاستقالة، قائلا إن جالانت أعلن فعليا دعمه لإقامة دولة فلسطينية مكافأة لما وصفه بـ«الإرهاب وحماس»، وبقدر ما تكشفت الانقسامات بين الجنرالين السابقين بالجيش وعضوى الحكومة الحالية المنتمين إلى تيار الوسط، بينى جانتس وجادى أيزنكوت، اللذين أيدا دعوة جالانت، وبين الأحزاب الدينية القومية اليمينية المتشددة بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن الوطنى إيتمار بن غفير، التى أدانت التعليقات، ووزير العدل، وباقى المتطرفين.
وحسب تقرير الزميل محمد جمال فى «اليوم السابع»، فإن تعليقات جالانت أخرجت تلك الشكوك إلى العلن ورددها وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، فى زيارة لأوكرانيا الأسبوع الماضى، حينما قال إن إسرائيل بحاجة إلى وضع خطة واضحة لمستقبل غزة، بينما يتمسك نتنياهو بالمناقشات حول الحكم المستقبلى فى غزة وهى مجرد كلام فارغ طالما بقيت حماس فى القطاع، وحسب ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية بعد مرور ما يقرب من 8 أشهر على حرب غزة، لا تزال حركة حماس بعيدة كل البعد عن الهزيمة ما يثير المخاوف فى إسرائيل من أنها تتجه لحرب أبدية، وهو ما يمثل مشكلة استراتيجية لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى يقول إن الهدف الرئيسى للحرب هو التدمير الكامل للجماعة الفلسطينية.
وحسب تقديرات عسكرية إسرائيلية وتقديرات استخباراتية أمريكية فإن النتيجة الطبيعية هى أن إسرائيل تبدو بعيدة عن تحقيق هدف نتنياهو المتمثل فى تحقيق النصر الكامل، وسواء واصلت إسرائيل هجوما واسع النطاق على رفح أم لا، فمن المرجح أن تبقى حماس على قيد الحياة وتستمر فى مناطق أخرى من القطاع.
كل هذا يشير إلى أن نتنياهو عالق بالفعل فى حرب لا نهائية، وبالرغم من أنه يستقطب المتطرفين فى إسرائيل، لكنه لا يمتلك خططا أو خطوات تعطى أفقا للحرب، التى تضاعف من أعباء الاتهامات الدولية لإسرائيل بالإبادة بجانب عدم منطقية تصريحات المتطرفين بالحكومة فى رفض إقامة دولة فلسطينية، وهى تصريحات لا تقوم على منطق وتفتح الباب لمزيد من العنف والصدام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة