بالرغم من أن الحرب التى تشنها إسرائيل على غزة ليست الأولى، لكن الحرب هذه المرة تأخذ أبعادا مختلفة، وتمثل ما يمكن اعتباره حرب إبادة وتصفية عرقية، غادرت فيها إسرائيل حالة الدولة إلى العصابة، ترتكب المزيد من الجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولا تكتفى بذلك بل تهدد كل دولة فى العالم تدين العدوان وتعترف بالدولة الفلسطينية، وهو ما تفعله مع إسبانيا وإيرلندا وغيرها من الدول التى أعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية، كما أن نتنياهو وحكومته المتطرفة يعاديان كل القوانين أو الحدود الدنيا للأخلاق أو القواعد الإنسانية، فضلا عن السير تجاه توسيع دوائر الحرب بحثا عن انتصارات لا تتحقق غير بالمزيد من القتل.
الجديد أن إسرائيل بأجهزة استخباراتها تتجسس على المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وتوجه لها تهديدات تمثل فى حد ذاتها جرائم، واعتبرت صحيفة الإندبندنت البريطانية ووفقا لتقرير لبيثان ماكيرنان من القدس وهارى ديفيز، فإن خبراء قانونيين قالوا إن أنشطة وكالات المخابرات الإسرائيلية لتقويض المحكمة الجنائية الدولية والتأثير عليها يمكن أن ترقى إلى مستوى «جرائم ضد إدارة العدالة»، ويجب التحقيق فيها من قبل المدعى العام للمحكمة، حيث تم الكشف عن عمليات المراقبة والتجسس الإسرائيلية ضد المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يرقى إلى مستوى الجرائم ضد العدالة.
وقد أعلن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أنه يسعى للحصول على أوامر اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق حماس وقادة إسرائيليين، وكان قرار السعى للحصول على أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت هو الأول من نوعه الذى يتخذ فيها المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إجراء ضد قادة حليف قريب من الغرب.
واعتبر كريم خان أن محاولات غير محددة «لعرقلة أو تخويف أو التأثير بشكل غير لائق على مسؤولى هذه المحكمة» قد تمت بالفعل من قبل أطراف لم يذكر اسمها، ويمكن أن يشكل هذا السلوك جريمة جنائية بموجب المادة 70 من النظام الأساسى للمحكمة المتعلق بإقامة العدل، وقد وصف الخبير فى المحكمة الجنائية الدولية، مارك كيرستن، سلوك إسرائيل فى التجسس والتهديد بأنه فظيع وغير مسبوق فى فظاعته.
والمفارقة أن معاداة النظام القانونى الدولى ليس فقط من إسرائيل ولكن أيضا من الولايات المتحدة التى لم تنضم لا هى ولا إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن أنه سيعمل مع المشرعين الأمريكيين لبحث إمكانية فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن كشف المدعى العام للمحكمة كريم خان أنه يسعى لإصدار أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبار، وقال أمام جلسة استماع فى الكونجرس الأمريكى إنه «ملتزم» باتخاذ إجراء ضد هذا «القرار الخاطئ للغاية».
لكن المفارقة أن حملة الولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية ليست أمرا ثابتا فقد أيدت الولايات المتحدة نفسها قرارات سابقة للمحكمة الجنائية الدولية على الرغم من أنها ليست عضوة فيها، بما فى ذلك تأييد مذكرة الاعتقال التى أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بشأن الحرب فى أوكرانيا، والتى وجدت تأييدا من الولايات المتحدة ودول غربية مثل ألمانيا وبريطانيا والتى تعترض الآن على القرارات.
وهو أمر يكشف الازدواجية الأمريكية والغربية فى أبرز صورها، ويدعم الاتهام الدائم للولايات المتحدة والغرب بتسييس قضايا حقوق الإنسان وجرائم الحرب، حيث تدعم أمريكا جرائم الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وتهدد محكمة العدل الدولية، ثم المحكمة الجنائية، لكنها عندما يتعلق الأمر بالحرب الباردة أو روسيا والصين وخصوم أمريكا فهى تؤيد وتتهم وتخرج تقارير حقوقية تم تفصيلها لاستعمالها سياسيا.
الشاهد أن إسرائيل وهى تخوض هذه الحرب تنشر الكراهية وتعادى العالم، وتمارس غرورا غير مبرر، مدعومة فقط بالولايات المتحدة التى تحمى الكيان بالفيتو وتدعمه وتعادى أعداءه، فى نموذج صارخ ينسف أى تاريخ للخطابات الأمريكية الأخلاقية أو الإنسانية.