العناق، أو الحضن، لغة الجسد الصامتة التى تقول وتعبر أكثر من الكلمات، حضنك لطفلك يجيب عن تساؤلات كثيرة تتصارع فى لا وعيه، «هل أنا محبوب؟ هل أنا مهم؟»، الحضن يؤكد على أهميته ومكانته لديك، ويعكس له مشاعرك واهتمامك وعطفك، وينقذه حين يرتبك أو تهتز ثقته بنفسه وبمن حوله.
ابنة تعرضت لابتزاز أو ابن فشل فى امتحان، أو شاب فقد الأمل، أو تحطمت أحلامه ولم يجد من يلملم شتاته ويحتوى لحظات انكساره وانطفائه.
فالحرمان العاطفى هو الجريمة الأبرز التى ترتكب يوميا داخل الأسر فى صمت وهدوء، إهمالك لإظهار حبك وعدم احتضانك لأبنائك وعائلتك قد يجعك «مذنبا» مهما كنت تسعى على راحتهم وتجمع لهم النقود والهدايا، فجريمة الإهمال والغفلة عن تقديم الحب والاهتمام، أقصى ما يمكن ارتكابه من تقصير فى حق أحبابنا.
وخطايا الإهمال العاطفى فى مرحلة الطفولة تتسبب فى الكثير من النتائج التربوية الكارثية التى تعود بالسلب على الطفل والأسرة، فتنتج شابا جافا عاطفيا، ورجلا وأبا يفتقر للسلام والحب والأبوة الحقيقية.
ومن علامات حرمان طفلك عاطفيا، أن يكون غاضبا ومتصلبا على الدوام، غير راض عن أى وضع، الشعور بالضياع وعدم تقدير الذات وجلدها، أو راغب فى إرضاء الجميع على حساب نفسه.
حضن مجانى.. تجسيد الحرمان العاطفى
مؤخرا أثارت وسائل التواصل الاجتماعى قضية free hug أو حضن مجانى، فكان بعض الشباب حول العالم يحملون لافتات تحمل هذه الجملة، وهذا الأمر ما هو إلا تجسيد حقيقى للفراغ العاطفى والإهمال الأسرى.
الحضن لغة الجسد الأكثر تأثيرا..الحرمان العاطفى "خطيئة" تعود بالسلب عليك وعلى أحبائك..عدم الاحتضان ترجمة للإهمال وتجسيد للغفلة..تنتج جيل معقد مفتقر لـ"الحب"
«لَمْ أَدْرِ مَا طِيبُ العِنَاقِ عَلَى الهَوَى.. حَتّى تَرَفَّقَ سَاعِدِى فَطَوَاكِ»،
كلمات دافئة صاغها الشاعر أحمد شوقى، أعظم من عبر عن المشاعر وأفردها فى كلمات، وقدمها لنا على أنغام القافية المسترسلة الجميلة، لم يكفه أبدا وصف دفء الحضن وجمال وحلاوة العناق ببيت واحد أو اثنين، بل أفرد له قصيدة كاملة، لينقل لنا مشاعر ناعمة سلسة، تظهر عندما ينغمس الجسد بالجسد، ليس رغبة ولا شهوة، ولكن دفئا واطمئنانا وشعورا بالانتماء لروح أخرى.
العناق، لغة الصمت الجميل، السكوت المحمود المطلوب، بل هو الضرورة لكى تستمر الأرواح فى العطاء، المشاعر التى يوقظها هذا الفعل البسيط، العميق فى دفئه وتأثيره، لا يمكن أبدا أن تعتبر الحضن مجرد فعل عابر، فهو يعبر لك بحركة واحدة، عن الحب، والتقدير والاحترام، والاحتواء والدعم.
عن أهميته يحدثنا الدكتور جمال فرويز، استشارى الأمراض النفسية بجامعة عين شمس، ويقول إن فقدان الحضن يكون السبب فى كثير من الإخفاقات التربوية وكذلك سبب اضطرابات نفسية عظيمة تصيب الأطفال فى مرحلة ما من حياتهم ومنها:
قد يجعل الطفل شخصا عصبيا مستقبلا، والشخصية العصابية تعانى من الجمود العاطفى والعصبية والاندفاع وتجعله متهورا ويمكن أن تأتى لمخيلته أفكار انتحارية والاكتئاب والشعور بالحزن الدائم، فهو الأكثر عرضة للاكتئاب بأنواعه وقد يصبح شخصا عنيدا يضر نفسه، أو على النقيض شخصا ضعيفا يسهل التحكم به، ويصبح عرضة للابتزاز أو منبوذا ونابذا للغير ومتنمرا وقد يصبح عنيفا بشدة وقد يقدم على أفعال عنيفة غير متوقعة كالضرب المبرح لغيره.
الحضن ملجأ
الحياة قاسية، وبعض الأفعال الصغيرة تجعل قسوتها هينة، العناق فى مجمله ومعناه هو الدعم، دعم معنوى مصحوب بحركة جسدية، فهو المعبر عن الاشتياق والحب والفرحة ،الحضن ملجأ الضعيف المتعطش للحنان، ووسيلة الراغب فى الاحتواء، تبادل متقن ومثالى لمشاعر لا يمكن التعبير عنها بأى شكل آخر، العناق هو الوسيلة المباشرة التى تختصر كل الكلام والفعل الجميل، قصائد طويلة، قرابين مقدمة، أثمان مدفوعة، فهو الاختصار التام والسريع، فهو المنقذ من جفاء الحياة.
فى دراسة نفسية مفصلة نشرت فى موقع steptohealth المعنى بالصحة النفسية والعقلية، فإن العناق وإظهار الحب والاهتمام للأطفال فى الصغر، ضرورة تربوية لا بد من القيام بها، لأن الافتقار للحب والتعبير عنه ينتج طفلا عدوانيا راغبا فى الحصول على اهتمام وحب الآخرين بأى وسيلة غير صحية.
فوائد صحية للحضن
أما الفوائد الصحية الجسدية الظاهرة للحضن، فتلك التى يوضحها تقرير نشر فى موقع saatva الذى أكد أنه يساعد على تخفيف الشعور بالألم الجسدى لدى الكثيرين، فهو يساعد على تقليل رسائل الألم التى تصل إلى الدماغ تدريجيا، نتيجة الدعم وموازنة الطاقة تدريجيا مما يعطى هذا الشعور بالراحة، كذلك يخفف من نسب ضغط الدم بشكل عام، لأنه يزيد من هرمون الاوكسيتوسين، وكذا يقلل من اضطرابات النوم والأرق وغيرها من مشكلات النوم العميق، بالإضافة لما سبق فإن الحضن يساعد على تعزيز دفاعات الجسم ضد الإصابة بالمرض، لأنه يعزز من المناعة ومستوياتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة