هناك ما يشبه السباق للوصول إلى وقف الحرب فى غزة بعد 11 شهرا، الفرصة تظهر وتتراجع كل فترة أمام تعنت رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذى يصر على ممارسة الابتزاز السياسى، بجانب جرائم الحرب ضد الأطفال والنساء، ويمكن القول إنها حرب نتنياهو والمتطرفين فى كل الجبهات، الذين يرفضون كل فرصة لوقف الحرب، ولا مانع لديهم من اتساع الصراع إقليميا، وهو ما يضعهم ضمن تجار الحروب فى مواجهة مساع متعددة لوقف الحرب، تقودها مصر والولايات المتحدة وقطر، وقد وصلت هذه الخطوات إلى محطة دقيقة وحاسمة، تتطلب المزيد من الجهد لمواجهة تجار الحرب.
والواقع أن بنيامين نتنياهو استغل الانتخابات الأمريكية لممارسة أكبر قدر من الابتزاز السياسى، مستغلا التهديدات التى يطلقها خصومه أو أطراف إقليمية مثل إيران وحزب الله، ردا على هجماته، فيحولها إلى تهديد وجودى يضع إسرائيل فى مواجهة الإقليم كله، ويمارس نتنياهو الابتزاز، ويصدر صورة مظلومية، فى مواجهة استعراضات ضحاياه، وهى مفارقة أن الاحتلال يقتل وهو يشكو من الهجمات، بينما الطرف الآخر يهدد وهو يواجه العدوان أو يستعرض بانتصارات غامضة.
بجانب هذا فقد بدا أن معسكر المواجهة مثل إيران وحزب الله، يحرص على الإبقاء على صراعه ضمن الحدود المتوازنة، بل إن ضربات حزب الله على مواقع إسرائيلية لم تختلف عن هجمات أبريل الماضى، وأعلن حزب الله مباشرة أن تأخير الهجمات جاء لمنح فرصة لوقف الحرب، وهو ما يشير إلى أن الأطراف التى بدا فى بداية الحرب أنها طرف فى المواجهة أخلت الصورة وجعلتها فى سياقها، لا أطراف أخرى فى المواجهة، بجانب أن هذا التحرك من البداية فوت فرصة إشعال حرب تضاعف من خطر الدمار الإقليمى.
الدولة المصرية حرصت من البداية على التمسك بثوابت فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، وأيضا رفض التهجير لخارج الأراضى، وعدم التهاون فيما يتعلق بالأمن القومى، وخطوطه المحددة، وطوال الشهور الماضية سعت مصر مع أطراف إقليمية ودولية للتوصل إلى وقف الحرب، آخرها السعى مع الولايات المتحدة وقطر للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
الأسبوع الماضى كانت جولة أنتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكية، التاسعة، ضمن مساعى حمل الاقتراحات، والاتصال بالأطراف الفاعلة، وأيضا رئيس المخابرات المركزية وليام بيرنز، ووفد الأمن القومى الأمريكى، وبعد جولة الدوحة استضافت القاهرة، وفودا وأعلنت حركة حماس استعدادها لقبول وقف الحرب والمبادرات وقرار مجلس الأمن، بدا الموقف الأمريكى أكثر حماسا، بعد شهور من الارتباك، ودعا الرئيس بايدن الأطراف إلى قبول الاتفاق.
بايدن والديمقراطيون يحاولون خلق توازن قبل الانتخابات، لكسب أصوات المتعاطفين مع فلسطين، لاتينيين أو عرب، بعد شهور كان اللوبى اليهودى هو الهدف، مما خلق مخاوف من خسارة كامالا هاريس أمام دونالد ترامب، والجمهوريين، وبالرغم من مرور ما يقرب من 3 أشهر على قرار مجلس الأمن بالموافقة على مشروع قرار أمريكى بوقف إطلاق النار فى غزة، تعثر القرار، بسبب تعنت إسرائيلى.
والواقع أن مصر تدير أخطر مراحل التفاوض والوساطة، دبلوماسيا وسياسيا وأمنيا، بما يتوافق مع أمنها القومى ويحفظ حقوق الشعب الفلسطينى، ويبذل الوفد الأمنى المصرى قصارى جهده لتحقيق قدر من التوافق بين الطرفين وينسق جهوده مع الشركاء فى قطر والولايات المتحدة الأمريكية.
وبالتالى يظل قدر مصر أن تخوض حروبا على أكثر من جبهة تسعى لوقف العدوان ومواجهة القصف والحصار على غزة، وتتواصل مع كل الأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا، بجانب التمسك بأسس أمنها القومى من دون أى تهاون، ولهذا جددت مصر تأكيدها لجميع الأطراف رفض أى تواجد إسرائيلى بمعبر رفح من الجانب الفلسطينى، أو محور فيلادلفيا، باعتبار هذا يهدد أسس السلام.
وتتمسك مصر بموقفها الحاسم تجاه ضرورة انسحاب الاحتلال، ووقف أى مناورات أو الإبقاء على قوات فى غزة على حدودها، والهدف وقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، وإنهاء مأساة الشعب الفلسطينى فى غزة بشكل فورى، وأكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أهمية اضطلاع المجتمع الدولى بدور حاسم فيما يتعلق بالاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية، بما يدعم مسار السلام فى المنطقة وحل الدولتين، وأن استمرار التصعيد يضع المنطقة رهينة لاحتمالات توسع الحرب إقليميا، وما قد ينتج عن ذلك من عواقب خطيرة على شعوب المنطقة كافة.