غادر القاهرة وزير الصحة السوفيتى، وأكبر أطباء القلب الروس يفغينى شازوف، فى 20 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1969 بعد يومين، اشترك خلالهما مع الأطباء المصريين فى علاج الرئيس جمال عبدالناصر من الإنفلونزا الحادة التى تعرض لها، وفقا لجريدة «الأهرام» فى صفحتها الأولى يوم 21 سبتمبر، 1969.
قالت الأهرام، إن «شازوف» حمل معه رسالة من الزعيم السوفيتى «بريجنيف» سكرتير الحزب الشيوعى السوفيتى إلى عبدالناصر، يستفسر فيها عن صحته بعدما أعلن تعرضه لإنفلونزا حادة، وأضافت: «غادر شازوف القاهرة أمس 20 سبتمبر، ومعه رسالة من عبدالناصر إلى بريجنيف، يعبر فيها عن شكره له وللزعماء السوفيت على اهتمامهم السريع والودى بما نشر عن صحته، ورغبتهم فى الاطمئنان عليها».
عكس الخبر - علانية - زيارة «شازوف»، بغرض علاج عبدالناصر، لكنه أخفى حقيقتها الكاملة، حيث أصيب الرئيس بأول أزمة قلبية يوم 11 سبتمبر 1969، ومع ارتفاع حدتها فى الأيام التالية وافق هو على اقتراح فريقه الطبى باستدعاء «شازوف» حسبما يذكر طبيبه الخاص الصاوى حبيب فى مذكراته، ومع ملاحظة غياب نشاط الرئيس، كتبت الأهرام يوم 18 سبتمبر 1969 خبرا عن إصابته بإنفلونزا حادة اضطرته إلى الراحة».
يكشف «شازوف» فى مذكراته «الصحة والسلطة» ترجمة الدكتور إيمان يحيى، عن اتصالات جرت بين القاهرة وموسكو أدت إلى قدومه على وجه السرعة، ويقول إنه سبق له فحص عبدالناصر، أثناء زيارته إلى موسكو فى يوليو 1968.
يذكر أنه فى أول سبتمبر 1969 توجه بسيارته إلى أحضان الطبيعة على نهر «الفولغا» حيث أقيم واحد من أفضل منتجعات الاستشفاء الحديثة المزودة بأجهزة طبية، وفى إحدى الأمسيات أخبره مسؤول محلى بأن موسكو اتصلت تليفونيا، وتطلب منه أن يكون فى مكتبه غدا فى الصباح الباكر للضرورة، وفى الصباح الباكر، جاء صوت الهاتف، وكان المتحدث يورى أندروبوف، المسئول عن جهاز المخابرات السوفيتية «كى. جى. بى».
قال «أندروبوف»، لـ«شازوف» إن القاهرة تطلب سفره إليها على وجه السرعة للقاء الرئيس عبدالناصر، وأن «بريجنيف» تلقى رسالة بذلك، ولكن المصريين يشددون على الحفاظ على سرية الزيارة، وأبلغه «أندربوف»: «إعداد طائرة خاصة للسفر إلى القاهرة قد يستغرق وقتا طويلا، كما أنه قد يلفت انتباه موظفى الطيران المدنى بالقاهرة والعاملين فى شركة الطيران السوفيتية «أبرفلوت» خاصة أن المخابرات الإسرائيلية «الموساد» مفتوحة أعينها على القاهرة».
اقترح أندروبوف سفر «شازوف» على متن رحلة طائرة عادية تقوم فى الساعة الثانية عشرة، وكانت بعد ثلاث ساعات من حينه، وأبلغه بتعليمات هى: «غالبا لن يثير حضورك إلى القاهرة الاهتمام أو الفضول، قليل من يعرفوك هناك، وسوف يتولى رفاقنا ترتيب صعودك إلى الطائرة من موسكو، ستجلس فى الدرجة الأولى، ولن يكون هناك أحد سوى مستشارينا العسكريين وهم لا يعرفون شيئا عن هويتك، وفى القاهرة ستجد رجالنا فى انتظارك يأخذونك من باب خاص فى الطائرة إلى مكان آمن بالاتفاق مع المصريين، وعندما تخرج إلى القاهرة احرص على ارتداء نظارة سوداء وقبعة حتى لا يتمكن أحد من التعرف عليك أو تصويرك من شرفة مبنى المطار».
يعترف «شازوف» بشعوره أنه كان أمام قصة شبيهة بقصص جيمس بوند، ويؤكد: «رغم أننى لا أجيد التمثيل مطلقا، فعلت كل شىء كما طلبوا منى، عندما نزلت من سلم الطائرة أحاطت بى مجموعة من الرجال فى دائرة محكمة، وفى ثوان كنت أجلس فى سيارة انطلقت بى فى شوارع القاهرة حتى فندق شبرد على النيل، وصعدت إلى الطابق الأخير الذى أغلق عدد من الحراس جزءا منه خصصوه لإقامتى، وقادنى رجل أمن إلى جناح واسع طلبوا منى ألا أغادره إلا برفقة سكرتير عبدالناصر».
بعد عشرين دقيقة، حضر سكرتير عبدالناصر، واصطحب «شازوف» إلى بيت الرئيس فى ضاحية مصر الجديدة «منشية البكرى» بالقاهرة، وفوجئ الطبيب الروسى بمستوى منزل عبدالناصر، ويقول: «فى منزل متواضع مكون من طابقين اثنين كان يقيم عبدالناصر، فى طابقه الأول قابلتنى زوجته الوقورة والصامتة دائما وجمع من أطبائه، لم يترك حديثهم عن شكوى الرئيس الأخيرة، ونتائج رسم القلب لدىّ أى شك من أن مرض تصلب الشرايين قد وصل إلى شرايين القلب، وأدى إلى ظهور «احتشاء القلب» أى إصابة أجزاء منه، ولحسن الحظ فإن التطور الخطير فى حالته لم يكن مر عليه يوم أو يومين، وكان من السهل اكتشاف أنه يعانى من احتشاء القلب متوسط الخطورة، ودون أية مضاعفات أخرى».
يضيف «شازوف»: «كان يجب عليه أن يتعاطى العقاقير التى تسهم فى توسيع مجرى الأوعية الدموية، فضلا عن أخرى مضادة للتجلط، وفى توسل نظرت إلىَّ زوجته وأطباؤه مطالبين أن أتولى بنفسى إقناعه بأنه يحتاج إلى راحة تامة تدوم شهرا على الأقل».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة